فوقف عبد الرحمن أمام الناس وطلب من علي البيعة على الكتاب والسنة وسيرة الشيخين!! فقال علي: بل على كتاب الله وسنة رسول الله وأجتهد رأيي. فعدل عنه إلى عثمان وقال له مثلما قال لعلي، فقبل عثمان فبايعه عبد الرحمن، ولما رفع عبد الرحمن يد عثمان مبايعا قال علي: ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا, فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون(1). ثم بايع علي وهو يقول: «خدعة وأيما خدعة»(2)! ووصف ذلك الموقف بقوله: «فصغا رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن»(3).
وهنا لابد من التنبيه على أن اشتراط المضي على سيرة الشيخين لاستحقاق الخلافة، كان أول بادرة في الإسلام لتقديس الموروث البشري، ذلك التقديس الذي أسهم ولا يزال في تخلف المجتمع المسلم وإصابته بركود الإبداع وجمود الأفكار، مما جعل الكثيرين باسم الدين يحاربون أي تفكير يفضي إلى غير المألوف، ويتصدون لأي تجديد يخرج عن الموروث ، وينشدون إلى الماضي بكل ما فيه ويعتبرون مخالفته وإن كان من نتاج بشر ليسوا معصومين مخالفة للدين والقيم، وبالتالي نجد أن كثيرا من رجال الدين يعيشون غير عصرهم، ويحيون غير حياتهم، ويقومون بدور إماتة المجتمع بدلا عن إحيائه. وهذا ما جعل عليا يرفض تأييد ذلك المبدأ أو يساهم في تثبيته، وإن كان ثمن ذلك أن يخسر الخلافة.
Page 31