ومما سبق يتبين أن ما يذكر من أحكام وتفريعات في شأن الخلافة توصف أحيانا بأنها شرعية؛ لا تتجاوز كونها اجتهادات غير ملزمة إلزاما شرعيا لا يجوز الفكاك عنه، ولهذا تجد أن أكثر علماء الأمة متفقون على أن معظم مسائل الإمامة ظنية لا يترتب على الاختلاف في شيء منها تكفير أو تفسيق(1).
***
وعلى عكس ما تقدم يرى فريق آخر من الباحثين أن أحداث السقيفة لم تكن أحداثا طبيعية، ولكنها كانت مؤامرة مدروسة، رغم اختلافهم في الجهة المستهدفة بالمؤامرة؛ فمنهم: من يرى أنها كانت مؤامرة من قريش ضد الأنصار، أعدت فصولها مسبقا، وكان الهدف منها إقصاء الأنصار وإقامة إمبراطورية قرشية. ومنهم: من يرى أنها كانت مؤامرة، ولكن ليس على الأنصار وإنما على بني هاشم المنشغلين بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
* فأما الاستنتاج الأول فإن الشواهد التاريخية لا تساعد على صحته إذا ما نظرنا إليها بإنصاف وحياد، فهي لا توحي بالمؤامرة بقدر ما توحي بأن ما حدث حدث نتيجة لتخوف من وقوع أزمة إن صارت الخلافة في غير قريش، وذلك بأن تدخل القبائل في منافسة، وتطالب لنفسها بحق المشاركة في الخلافة، فتجد النفوس المريضة مجالا لنفث سمومها، وتسعى لإسقاط المشرع الإسلامي بكامله، فتتجه الأمور نحو المجهول؛ بخلاف ما لو كانت الخلافة في قريش؛ فلها عذر بكونها عشيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أمر مألوف عند العرب، وقد أفصح عنه عمر بن الخطاب بقوله للأنصار: «والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة منهم، من ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته»(2)؟!
Page 23