ري الظمآن بمجالس شعب الإيمان
ري الظمآن بمجالس شعب الإيمان
Maison d'édition
مكتبة دروس الدار
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٤٤ هـ - ٢٠٢٢ م
Lieu d'édition
الشارقة - الإمارات
Genres
وكذلك يقول ربنا في كتابه الكريم: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)﴾ [الحاقة].
العصمة في التبليغ من براهين صدق المرسلين:
فدلَّت الآيات على أن الله لا يؤيد من يكذب عليه، بل لا بُدَّ أن يُظهِر كذبه، وأن ينتقم منه؛ ولذلك فعند التأمل والتدبر في هذه المسألة نجدها: من أعظم معجزات ودلائل نبوة نبينا محمد ﷺ. فلا يُعقَل أن يخرج رجل يدعي النبوةَ قَبْلَ ألف وأربعمائة سنة ويخبر عن الله بأمور، ويؤمن به أناس ثم ينتشر دينه، ويتوسع، ويحارِب ويقتل من يقاتله، ويغنم ويسبي، ونحو ذلك، وينتشر عبر مئات السنين إلى هذا اليوم، ويكون مُبْطلًا كما يقول بعض الناس. فلو تأمل الناس في ذلك لعرفوا أن هذا دليل على صدق النبي محمد ﷺ. وقد أثبت الله -جل وعلا- عصمته لأنبيائه كما قال ربنا -جل وعلا-: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (٧٥) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (٧٧)﴾ [الإسراء] فهذه الآيات دالَّةٌ على عصمة ربنا -جل وعلا- لنبيه ﷺ في تبليغ الوحي.
ولهذا كان عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ يطلب العلم عند رسول الله ﷺ متفرِّغًا له، فقال ﵁: كنت أكتب كلَّ شيء أسمعه من رسول الله ﷺ، أريد أن أحفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كلَّ شيء تسمعه من رسول الله ﷺ، ورسول الله ﷺ بشر، يتكلم في الغضب والرضا. قال: فأمسكت عن الكتابة. فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ، فقال: «اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود (^١).
(^١) صحيح رواه أحمد (٦٥١٠) واللفظ له، وأبو داود (٣٦٤٦).
2 / 72