ري الظمآن بمجالس شعب الإيمان
ري الظمآن بمجالس شعب الإيمان
Maison d'édition
مكتبة دروس الدار
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
١٤٤٤ هـ - ٢٠٢٢ م
Lieu d'édition
الشارقة - الإمارات
Genres
والأمر الرابع: قال الله سبحانه بعد هذه الآية: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣]
إذًا هذه قطعت كلَّ الوسائل التي يتشبث بها أهل الشرك بالله ﷾؛ فهم لا يملكون شيئا استقلالا، ولا يملكون قسطا من الملك، ولا يعاونون الله لغناه عن جميع خلقه، ثم إنهم بعد ذلك لا يملكون الشفاعة إلا بإذنه لمن ارتضى. وحيث إن المَلِكَ من ملوك الدنيا -ولله المثل الأعلى- تجد من يشاركه، وتجد من يعاونه، وتجد من يكون ظهيرًا ووزيرًا له، وربما من يحبه، فيمكن أن يشفع عنده بلا إذنه؛ لكن الله ﷾ بيَّنَ في هذه الآية أن هذه المعبودات لا تملك شيئًا؛ لأنَّ الرب على الحقيقة هو الله ﷾.
قال شمس الدين ابن القيم ﵀: فَتَأَمَّلْ كَيْفَ أَخَذَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَجَامِعَ الطُّرُقِ الَّتِي دَخَلُوا مِنْهَا إِلَى الشِّرْكِ وَسُدَّ بِهَا عَلَيْهِمْ أَبْلَغَ سَدٍّ وَأَحْكَمَهُ، فَإِنَّ الْعَابِدَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْبُودِ لِمَا يَرْجُو مِنْ نَفْعِهِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ لَا يَرْجُو مَنْفَعَةً لَمْ يَتَعَلَّقْ قَلْبُهُ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْبُودُ مَالِكًا لِلْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْفَعُ بِهَا عَابِدَهُ، أَوْ شَرِيكًا لِمَالِكِهَا، أَوْ ظَهِيرًا أَوْ وَزِيرًا أَوْ مُعَاوِنًا لَهُ أَوْ وَجِيهًا ذَا حُرْمَةٍ وَقَدْرٍ يَشْفَعُ عِنْدَهُ، فَإِذَا انْتَفَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ انْتَفَتْ أَسْبَابُ الشِّرْكِ وَانْقَطَعَتْ مَوَادُّهُ، فَنَفَى سُبْحَانَهُ عَنْ آلِهَتِهِمْ أَنْ تَمْلِكَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَقَدْ يَقُولُ الْمُشْرِكُ: هِيَ شَرِيكَةُ الْمَالِكِ الْحَقِّ، فَنَفَى شِرْكَهَا لَهُ، فَيَقُولُ الْمُشْرِكُ: قَدْ يَكُونُ ظَهِيرًا أَوْ وَزِيرًا أَوْ مُعَاوِنًا فَقَالَ: ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢)﴾ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الشَّفَاعَةُ فَنَفَاهَا عَنْ آلِهَتِهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَشْفَعُ أَحَدٌ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لِلشَّافِعِ لَمْ يَتَقَدَّمْ بِالشَّفَاعَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ، فَإِنَّ الْمَشْفُوعَ عِنْدَهُ يَحْتَاجُ إِلَى الشَّافِعِ وَمُعَاوَنَتِهِ لَهُ، فَيَقْبَلُ شَفَاعَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ كُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ بِذَاتِهِ، فَهُوَ الْغِنِيُّ بِذَاتِهِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَكَيْفَ يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؟ ا. هـ (^١)
وقال شيخ الإسلام ﵀: نَفَى بِذَلِكَ جَمِيعَ وُجُوهِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ مَا يُشْرَكُ بِهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مُلْكٌ أَوْ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، أَوْ يَكُونَ مُعِينًا، فَإِذَا انْتَفَتِ الثَّلَاثَةُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الشَّفَاعَةُ الَّتِي هِيَ دُعَاءٌ لَكَ وَمَسْأَلَةٌ وَتِلْكَ لَا تَنْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا
(^١) مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: ٨٣)
1 / 118