نظر إلى سليمان وحامد فوجدهما صامتين، رأى في صمتهما طلبا للصفح ورغبة في التسليم، أشار إلى البيت وأراد أن يسأل: هل هذا هو بيتنا؟ وجد أن السؤال سيضيع في الفراغ.
توقف في مكانه كأنه شد إلى الأرض بمسامير.
أخذ يراقب العمال الذين يقذفون بالأخشاب في رتابة على ظهر العربة، والصوت الذي تحدثه كأنه تكسر ضلوعه.
لم يحس بأخيه الذي اقترب منه ومد ذراعه فوضعها على كتفه، وعندما شعر بملمسها انتفض جسده، وانزلقت قدماه فجأة فسقط على وجهه! تناثر الطين حوله، غاص بصدره في الوحل، دخلت قطع منه في عينه ولطخت جبهته.
أسرع أخوه وابن عمه يساعدانه، وجد نفسه يتشبث بالأرض، وينشج وهو يشير للبيت، ويضرب بيديه في الطين.
قال لنفسه: الدكتور غرق في الوحل، الدكتور لن ينقذه منه أحد.
انفجر البركان من صدره واشتد نشيجه، سمع نفسه يقول: أبي، أبي، انهدم برج بابل، سدت كل الأبواب!
ابن السلطان
رأيته لأول مرة في دكان أبي. كنت في ذلك الحين في السابعة أو الثامنة من عمري، أختلف على المدرسة الابتدائية الواقعة في البلدة المجاورة على حمار هزيل، يعرف الطريق أكثر مما أعرفه، وربما كان يعرف عن العالم أكثر مما أعرف.
كنت أقرأ درسا في كتاب الجغرافيا، عن منطقة عجيبة اسمها المنطقة الاستوائية، وكان اليوم من أيام الصيف القائظة، وجسدي ينضح بالعرق، ورأسي مثل قدرة الفول تغلي وتفور، أغلقت الكتاب وأخذت أفكر فيما قرأت، هل يمكن أن تكون الحرارة في خط الاستواء أشد مما هي عليه في بلدنا؟ وأيقنت أن الكتاب لا ريب مخطئ، وأن خط الاستواء يمر من بلدنا بغير شك، وأقبلت على الساحة المواجهة أبحث فيها عن مكان الخط الملتهب، فلم أر أمامي غير سوق القرية، يحوطه سور خشبي مهدم في أكثر أجزائه، وترقد فيه قطعان من الخرفان والجاموس والحمير.
Page inconnue