وهي الأوثان في بيت الأوثان.
وهي الطائفون حول الكعبة.
وهي ألواح التوراة ومصحف القرآن إلخ إلخ.
ونسوق المثل الآتي للرمز كيف يشمل القصيدة كلها جملة واحدة ليقيم الموازاة بينها وبين الحقيقة المراد تصويرها:
ففي قصيدة «الأوانس المزاحمات» (ص32 وما بعدها) هذه الصورة: امتدت إلي اليمين المقدسة لأبايعها البيعة الإلهية، فجاءت الأرواح الحافة حول العرش تسبح بحمد ربها، جاءت تطلب هذه المبايعة لنفسها، وكانت هذه الأرواح غير مشهودة لي، ثم ارتفع عنها الحجاب فظهرت، فسطعت أنوارها لعيني مثل الشموس، وحذرتني من النظر إليها نظرا مباشرا؛ لئلا يذهب بصري المقيد بالبدن، وإنما أرادت بتحذيرها ذاك ألا يصرفني النظر إليها عن النظر إلى الله، فهي لا تريد أن تحجبني عنه؛ لأني خلقت له لا لها، ووعدتني تلك الأرواح أن تنزل لي إلى عالم الكون، في صور مجسدة، وعندئذ تجتمع لي لذة المشاهدة ولذة العلم في آن، لكن تلك الأرواح خشيت أن تقيد نفسها بقيد المادة في تجسدها، فراحت تراوغني، وتشعرني بأنها تستر وراءها ما هو ألطف منها، حتى إذا ما ارتفعت همتي للوصول إلى ما هو مستور وراءها، انسترت هي عني، وأراحت نفسها من القيد، وانطلقت إلى مراتبها المنزهة. ذلك هو الرمز الكامل الذي تؤديه القصيدة بأسرها، لترمز به إلى حالة الصوفي وهو يحاول الوصول إلى الصفات الإلهية في مجرداتها وفي مجسداتها، فلا الأولى ثبتت أمام البصر لنورانيتها، ولا الثانية احتفظت بسرها الروحاني أمدا يمكن الرائي من رؤيته.
5
قلنا إن مدار الرمز كله في ديوان ترجمان الأشواق، هو الأسماء الإلهية، أو الصفات الإلهية، أو الحقائق الإلهية، أو الحكمة الإلهية، أو الواردات الإلهية، أو واردات التقديس، إلى آخر هذه الأسماء الوصفية التي أطلقها عليها ابن عربي خلال شرحه. قد لجأ الشاعر إلى تجسيد هذه المعاني في صور حسية، والأغلب أن تكون هذه الصور الرامزة صورا لحسان فاتنات يتصفن بكذا وكيت من ضروب الجمال. والصوفي الشاعر من هؤلاء الحسان بين لقاء وفراق، فما يكاد يحصل عليها في قلبه حتى ترحل عنه، فيعدو وراءها بخياله حينا، ويظل يتذكر ما كان له منها وقت لقائها حينا آخر.
فكلما طالعت قصيدة من قصائده، كان لك أن تصرف المعنى على حبيبته «النظام» ابنة شيخه في مكة، التي فارقها بعد لقاء، فأخذ منه الشوق إليها مأخذه، وراخ يتذكر ما وجده من نعيم وهو قريب من حضرتها، كما كان لك كذلك أن تصرف المعنى على أن الحبيبة (أو الأحبة) في القصيدة إنما تشير إلى الأسماء والصفات الإلهية.
على أننا نجد تفاوتا في القصائد، فمنها ما هو أقرب إلى المعنى الأول، ومنها ما هو أقرب إلى المعنى الثاني، ومنها ما يكاد يتساوى فيه المعنيان. وسنضرب مثلا لكل من هذه الحالات الثلاث. (أ)
تقول قصيدة «لا عزاء ولا صبر» (ص30-31):
Page inconnue