لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٣٠)
قطع الجدال في أحكام الاستقبال «للكعبة المشرفة»
تأليف
الشيخ محمد بن حسن العجيمي المتوفى سنة ١١٥٦ هـ
بعناية
يوسف محمد الصبيحي
ساهم بطبعه بعض أهل الخير من الحرمين الشرفين ومحبيهم
دار البشائر الإسلامية
Page inconnue
قطع الجدال في أحكام الاستقبال
1 / 2
حذفت الصفحة رقم ٤ ليستقيم تفريع الـ "مقدمة" وهذا للعلم
ددد
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
هاتف: ٧٠٢٨٥٧ - فاكس: ٧٠٤٩٦٣ - ٠٠٩٦١١
بيروت - لبنان ص ب: ٥٩٥٥/ ١٤
e-mail: [email protected]
1 / 3
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد:
فهذه رسالة معنونة بـ "قطع الجدال في أحكام الاستقبال"، لمؤلِّفها الشيخ محمَّد بن حسن العجيمي المتوفَّى سنة (١١٥٦ هـ)، وهي تتعلَّق بحكم تقدم المأموم على الإِمام عند الكعبة إذا كانا في جهة واحدة، أو كان المأموم أمام الركنين وقد حاذى الإِمام.
وقد أحببت إخراجها لينتفع بها إخواني، وكان السبب في نشرها فضيلة الشيخ البحاثة المكرم الأستاذ محمد بن ناصر العجمي -حفظه الله- عندما زارني، فعرضتُ عليه ما في خزانتي من مخطوطات تتعلَّق بالبلد الحرام، فطلب منِّي العناية بهذه الرسالة والاشتراك في "لقاء العشر الأواخر"، الذي أتحف الباحثين بالرسائل النافعة، والمخطوطات القيِّمة.
1 / 5
فاستجبت لطلبه، وامتثلت لرغبته، فجزاه الله خيرًا وبارك الله فيه ونفع به، وجعل الله الخير أمامه، والسعادة وراءه، هو وإخوانه القائمين على هذا اللقاء، والعاملين على إخراج هذه الكنوز من مكنوناتها.
وأخيرًا أدعو الله الكريم أن يجعل ما عملته في ميزان حسناتي، وأن ينفع به إخواني، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
وكتبه
يُوسُف بن مُحمَّد الصّبيحي
1 / 6
ترجمة المؤلف (١)
اسمه وولادته:
هو المؤرِّخ المحدِّث الشيخ محمد بن حسن العجيمي الحنفي المكي. وُلِد بمكة ونشأ بها.
طلبه للعلم:
أخذ العلوم عن عدد من العلماء حتى صار يشار إليه بالبنان، وحاز قصبات السبق في ميدان البيان، فأجازه عدد من العلماء بالتدريس.
وكان عالم زمانه وفريد أقرانه.
مشايخه:
أخذ عن والده العلَّامة حسن العجيمي وغيره من علماء عصره.
_________
(١) مصادر ترجمته: مختصر نشر النور والزهر ص (٤٦١)؛ ونظم الدرر ص (١٠١)؛ وأعلام المكيين (٢/ ٦٧١).
1 / 7
مؤلَّفاته:
له عدد من المؤلفات، منها: "قطع الجدال"، وهي هذه الرسالة.
وفاته:
تُوُفِّي ﵀ بمكة سنة ١١٥٦ هـ.
* * *
1 / 8
وصف المخطوطة
اعتمدتُ في إخراج هذه النسخة على المخطوطة الموجودة في مكتبة مكة المكرمة برقم (٦) مجاميع، وهي بخط الرقعة، وتقع في ٧ صفحات في كل صفحة ٢٤ سطرًا.
ونسخها الشيخ جعفر بن أبي بكر اللبني وتملكها، وفي طرَّتها تقريظ لأحد علماء مكة للرسالة.
* * *
1 / 9
مخطوط
ممم
صورة الورقة الأولى من المخطوط
1 / 10
صورة الورقة الثانية من المخطوط
1 / 11
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٣٠)
قطع الجدال في أحكام الاستقبال «للكعبة المشرفة»
تأليف
الشيخ محمد بن حسن العجيمي المتوفى سنة ١١٥٦ هـ
بعناية
يوسف محمد الصبيحي
Page inconnue
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله المرجو للتوفيق والسداد، الجاعل بيته الحرام قبلةً لسائر العباد، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّه المختار إمامِ الاهتداء، وصحابتِهِ الأخيار السالكين محجة الاقتداء.
وبعد:
فقد سُئِلَ العبدُ الحقير، المعترف بالعجز والتقصير، محمد ابن الشيخ حسن العُجيمي الحنفي، عاملهُ مولاه بلطفه الخفي، عن مسئَلةٍ كَثُرَ الاضطراب فيها في القديم والحديث، وكاد يَروجُ باطلَها في زماننا على بعض أهل الفقه والحديث، وهي مسألة:
ما إذا صلَّى مقتدٍ على الحجارة السود المقابلة للشاذَرْوَان (١)
_________
(١) قال ابن رشيد ﵀ في مِلء العيبة (ص ١٠٦): "وهذا الاسم -أعني الشاذروان- لفظة عجمية". والشاذروان هو: البناء المائل المرخّم أسفل جدار الكعبة مما يلي أرض المطاف من الجهة الشرقية والغربية والجنوبية، أما الجهة الشمالية فليس فيها شاذروان، وقد غُرِس فيه حلقات ممسكة بكسوة الكعبة.
ينظر: شفاء الغرام (١/ ١٨٣)، وكنز المطالب، للحمزاوي ص (٢٠)، وتاريخ الكعبة، للشيخ عبد الله باسلامة ص (١٤٣).
1 / 15
مُزْوَرًّا (١) مستقبلًا جهة الباب بإمام حنفيٍّ في مقامه المعلوم (٢). هل يجوز أم لا؟
فتقاعستُ عن الجواب، خشيةَ أن أكون ممَّن جازف وأفرط، فكاد يُجَوِّزُ تقديمَ المأموم على الإِمام، أو ممَّن خالف وفرَّط، فكاد يُعَطِّل جانبًا من سُوْحِ (٣) بيته الحرامِ.
_________
(١) أي مائلًا، وذلك عن محاذاة الإِمام من جهة الكعبة.
ينظر: معجم مقاييس اللغة (٣/ ٣٦)؛ والقاموس المحيط ص (٥١٥).
(٢) كان في الحرم المكي أربعة مقامات، لكل إمام مذهب مقام يقتدي به أتباع ذلك المذهب، الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي.
قال الشيخ باسلامة في تاريخ عمارة المسجد الحرام ص (٢٢٤): "والذي يظهر لي أنها أحدثت بين القرن الرابع والخامس"، وعن إلغاء هذه المقامات وإبطال التعدُّدية في الصلاة بين المذاهب يقول الشيخ عبد الله غازي في إفادة الأنام (٥/ ٣٠٥ خ): "وفي شهر ربيع الثاني سنة ١٣٤٥ هـ، اجتمع فريق من العلماء الحجازيين والنجديين، وقرَّروا أن تكون الجماعة التي تقام في المسجد الحرام جماعة واحدة، وانتخب من كل مذهب ثلاثة أئمة ومن الحنابلة إمامان يتناوبون في أوقات الصلوات الخمس ... وقد وافق جلالة الملك على هذا الترتيب وجرى العمل بمقتضاه وأصبحت الجماعة في الحرم المقدس جماعة واحدة".
وقد تَمَّ هدم هذه المقامات سنة ١٣٧٧ هـ، لتوسعة المطاف كما ذكر ذلك الشيخ الكردي في التاريخ القويم (٥/ ٣٣٠).
وعن وصف المقامات ينظر: رحلة ابن جبير ص (٧٨).
(٣) السُوح: جمع ساحة: أي ساحة المسجد الحرام، وهو المكان الواسع الذي يكون بين الإِمام والكعبة.
ينظر: معحم مقاييس اللغة (٣/ ١١٣)؛ والمعجم الوسيط (١/ ٤٦٠).
1 / 16
وتأكَّد الطلبُ، وتكرّر من فضلاء لا تنبغي مخالفة إشارتهم، مذكِّرين بقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (١)، ومشيرين إلى قوله ﷺ: "مَن سُئِلَ عن علمٍ فَكَتَمَهُ ... " الحديث (٢)، مع إيراد بعض الفضلاء المشاركين في علم الهندسة شبهة ينبغي هو رسمها بلسان أهل الفن، لكونه -حفظه الله- مظهر السمت الحسن.
فعند ذلك امتثلتُ الإِشارة، معترفًا بالقصور والحقارة، فقلتُ مستمدًّا من الملك الوهَّاب التوفيق لصوب الصواب:
اعلم أيُّها الأخ الفاضل أنَّ المولى جلَّ شأْنُه، وعزَّ سلطانه، لما اقتضت حكمته الخفيَّة إيجادَ عباده للقيام ببعض حقوق العبودية، خلق بيته العظيم، وشَرَّفَهُ بإضافةِ التشريفِ والتكريم (٣)، واختار له أشرف الأشكال الخمسة والثلاثين، وهو الشكل المربَّع لما سبق في علمه القديم، أن سيصير قبلة لمن في الجهات الأربع، أعني المشرق
_________
(١) سورة المائدة: الآية ٢.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه (٣/ ٣٢١) كتاب العلم، باب كراهية منع العلم.
وأخرجه الترمذي في سننه (٥/ ٢٩) كتاب العلم، باب ما جاء في كتمان العلم؛ وابن ماجه في سننه (١/ ٩٦) في المقدمة، باب من سئل عن علم فكتمه.
ولفظ الحديث: "من سُئِل عن علمٍ فكتمَهُ، أَلْجَمَهُ الله بلجام من نار يوم القيامة".
وحسَّنه الترمذي وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي.
(٣) كما في قوله تعالى في سورة البقرة، الآية ١٢٥: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)﴾.
قال البغوي في تفسيره (١/ ١١٤): "أضافه إليه تخصيصًا وتفضيلًا".
1 / 17
والمغرب والشام واليمن؛ لاحتوائها على من في المساحة الأرضية من المُكَلَّفين في كل زمن مع دفع الحرج عنهم في الاستقبال باعتدالِ أَضلاعِهِ الأَربعةِ الملتئمةِ بأربع زوايا مُسَطَّحة، مُسَمَّات عند أهل اللغةِ والشرعِ أركانًا موضحة.
ثُمَّ إنَّ الشارع أَوجب على كلِّ مكلَّفٍ مُشَاهدٍ لها استقبال تلك البقعة المُسْتَدَلِّ عليها بالمثال المُشَاهَد، وعلى كلِّ غائب عنها استقبالُ جهتها أيّ جهةٍ كانت من الجهات الأربع المتقدم ذكرها كما هو مُصَرَّحٌ به في كتب علمائنا (١)، ولا حاجة إلى الإِطالة بذكر النصوص لكونها من بديهيات مسائل مذهب الإِمام الأعظم.
ثُمَّ إنَّ الشارع أيضًا حثَّ على الصلاة جماعة (٢) وجعلها تفضل صلاة المنفرد ببضع وعشرين درجة (٣)، وكتب للكائن خلف ظهر الإِمام في الصف الأوَّل مائة صلاة، وللذي في الجانب الأيمن خمسة وسبعين صلاة، وللذي في الجانب الأيسر خمسين صلاة، وللذي في سائر الصفوف خمسة وعشرين صلاة، كما نقله الزين في بَحْرِهِ (٤)، وجعل صلاة المأموم منوطةً بصلاة الإِمام صحَّةً وفسادًا، وأوجب تأخره عن
_________
(١) الحنفية رحمهم الله تعالى، والمؤلف كما سبق في ترجمته حنفى المذهب.
(٢) وأوجبها، والأدلة على وجوب صلاة الجماعة مستفيضة.
(٣) لقوله ﷺ: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"، متفق عليه.
(٤) أي كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق (١/ ٣٧٥)، للعلَّامة زين الدِّين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي (ت ٩٧٠ هـ).
1 / 18
إمامه تأخُّرًا حقيقيًّا أو حكميًّا -كما ستفهمه- تنويهًا بشرف الإِمام، وتبيينًا لتفاوت المقام.
إذا تقرَّر ذلك، فاعلم أنَّ البيت الشريف زاده الله تشريفًا له أربع جهات متغايرة بالحس والاعتبار الشرعي، فإن اختلفت جهة المأموم والإِمام صحَّ اقتداؤه مطلقًا، وإن اتَّحدت جهتهما، فإن تأخَّر عن إمامه صحَّ اقتداؤه بلا كراهة ما لم يكن وحده بشرطه المعلوم، وإن حاذى إمامه صحَّ بلا كراهة ما لم يكن معه غيره بشروطه المعلومة، وإن تقدَّم على إمامه حقيقةً أو حكمًا لا يصح اقتداؤه (١).
فالتقدُّم الحقيقي هو: أن يكون ظهرهُ إلى وجه إمامه.
والتقدُّم الحكمي نظرًا إلى الصف المستقيم هو: أن يكون المقتدي بحال لو رسمنا خطًّا مستقيمًا من عَقِبه نجدُه متقدِّمًا على عقب الإِمام، أو قَدَمَهُ على الخلاف فيه، وبالنظر إلى الصف المستدير برسم دائرة متقدمة على دائرة الإِمام مع اتحاد قطبهما.
والتأخُّر الحكمي: أن يكون المأموم أقرب إلى البيت الشريف من إمامه في غير جهته، فهو وإن تقدَّم على إمامه صورةً فهو متأخِّر حكمًا.
والتأخر الحقيقي: هو أن يكون خلف الإِمام مطلقًا سواء كان في
_________
(١) قال المرغيناني في الهداية (١/ ٩٥): "وإذا صلَّى الإِمام في المسجد الحرام فتحلق الناس حول الكعبة، وصلّوا بصلاة الإِمام، فمن كان منهم أقرب إلى الكعبة من الإِمام جازت صلاته إذا لم يكن في جانب الإِمام؛ لأنَّ التقدُّم والتأخر إنما يظهر عند اتِّحاد الجانب".
1 / 19
الصف المستقيم، أو في الصف الدوري، أو في الصف التربيعي.
فالصف التربيعي هو: المحيط بجوانب البيت الشريف، والصف الدوري هو: الجاري في قوس الدائرة كصف المقام الحنفي، والصف المستقيم هو: الخالي من التقويس، فظهر لك من هذا أنَّ البيت الشريف مربع الشكل مع مقاربته للشكل المستطيل، وعلى كلٍّ فله أضلاع أربعة، كل ضلع جهة مستقلَّة بالحكم، وبين كل ضلعين ركن هو نقطة حاصلة من التقائهما يَحِدُّ كلًّا منهما عن الآخر، وأنَّ المقتدي إن كان في غير جهة إمامه صحَّ اقتداؤه مطلقًا، وإن كان فيها صحَّ بشرط عدم التقدُّم كما تقدَّم.
بقي أنَّ المقتدي لو كان مسامتًا للركن الموالي لجهة الإِمام مع كونه أقرب إلى الكعبة كما هو واقعة الحال هل يصح اقتداؤه أم [لا]؟.
قال العلَّامة الشيخ حسن الشرنبلالي (١) في حاشيته على الدرر (٢): ينبغي أن لا يصح احتياطًا بلا نص، وتبعه على ذلك صاحب الدرّ
_________
(١) هو الفقيه المفتي: حسن بن عمار بن علي الشرنبلالي، وُلِد سنة ٩٩٤ هـ، وتعلّم في القاهرة. له مؤلَّفات كثيرة، منها: "نور الإِيضاح"، وشرحه "مراقي الفلاح"، و"تحفة الأكمل" وغيرها. تُوُفِّي سنة ١٠٦٩ هـ بالقاهرة.
يُنظر: خلاصة الأثر (٢/ ٣٨)؛ والأعلام (٢/ ٢٠٨).
(٢) (١/ ١٤٩)، ونصّه: "وأما إذا وقف مسامتًا لركن في جانب الإِمام وكان أقرب إليها من الإِمام فينبغي عدم الصحَّة احتياطًا لترجيح جهة الإِمام، ولم أره منقولًا ... ".
1 / 20
المختار (١) وغيره، وكأن هذا الاحتياط نظر إلى قاعدة: تعارض المانع والمقتضى (٢)، المذكورة في كتب أصول فقهائنا، وقد فرَّع عليها صاحب الأشباه (٣) فروعًا كثيرة تقارب الفرع المذكور في العلة، غير أنَّ هذا الاحتياط إنما يظهر أثره فيما إذا لم تتمحض الجهة المستقبلة بأن كان محدَّد الركن بين عيني المستقبل قاسمًا صدره الذي هو المناط في الاستقبال شطرين: شطر تحصل به المشاركة للإِمام في جهته، وشطر في مقابل الجهة الموالية لها.
وأمَّا إذا تمحَّضت الجهة بأن وقف على خط الركن مُزْوَرًّا موجّهًا صدره إلى إحدى الجهتين، فإن كانت جهة الإِمام فلا يصحّ اقتداؤه جزمًا لتقدِّمه المشاهد، وإن كانت غيرها صحَّ اقتداؤه بلا شبهة، وهذا لا يختصّ بالمأموم المستقبِل للركن، بل الإِمام كذلك لو استقبل الركن بلا تمحّض جهة يمنع المقتدي من التقدُّم عليه في كل من الجهتين احتياطًا، فإن تمحَّضت جهة يمنع المقتدي من التقدُّم فيها فقط.
وسأوضح لك جميع ما تقدَّم ذكره برسم يتضمَّن تصوير البيت الشريف وبيان جهاته الأربع والصفوف الثلاثة: التربيعي، والدوري،
_________
(١) (١/ ٢٠٦)، ونصه: "ولو وقف مسامتًا لركن في جانب الإِمام وكان أقرب لم أره، وينبغي الفساد احتياطًا لترجيح جهة الإمام ... ".
(٢) هذه قاعدة فقهية: "إذا تعارض المانع والمقتضي يقدّم المانع"، وذلك لأنَّ اعتناء الشارع بالمنهيات أشدُّ من اعتنائه بالمأمورات.
ينظر: شرح القواعد الفقهية، للزرقا ص (٢٤٣).
(٣) ينظر: الأشباه والنظائر مع شرحه غمز عيون البصائر (١/ ٣٥٥).
1 / 21
والمستقيم، مع الإِشارة إلى الإِمام والمأموم والتقدُّم والتأخر والاتِّحاد والاختلاف.
وهذا الرسم كما ترى، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
ممم شكل توضيحي ممم
فالشكل المربع هو صورة البيت الشريف، والخط الأحمر (١) الملاصق له هو صورة الشاذروان، والألف الحمراء للإِشارة إلى الإِمام، والألفات السود للإِشارة إلى المأمومين حول الكعبة وهو الصف التربيعي. والدائرة الحمراء المحيطة بالجميع للإِشارة إلى الصف
_________
(١) كذا في المخطوط، وجعلناه خطًّا متقطّعًا، وكذلك كل ما ورد ذكره بالأحمر.
1 / 22
الدوري، والألفات السود فيها للإِشارة إلى المأمومين، والألف الحمراء للإِشارة إلى الإِمام لو كان في مقام الحنفي.
والخط المستقيم في طرف الدائرة للإِشارة إلى المأمومين فيه، والخطوط الحمر الخارجة من أركان البيت الشريف إلى مقابلها من الدائرة للإِشارة إلى حدود أرباع الدائرة لمقابلة كل ربع منها جهة من جهات البيت الشريف.
والخطوط السود الخارجة من وجوه الأركان إلى الدائرة القاسمة لذلك الربع إلى شكل مستطيل بين شكلين مثلثين للإِشارة إلى قدر ما زاد به الصف الدوري على الصف التربيعي من المساحة مع اتحادهما في الجهة بسبب البعد والاستدارة، فكلما ازداد بعدًا ازداد سعة في مثلين، وبذلك تعرف قول فقهائنا في تحديد الغدير العظيم أنه إن كان مربعًا فبعشرة أذرع من كل جهاته الأربع، فمجموعها أربعون ذراعًا، وإن كان مستديرًا فبستَّة وثلاثين ذراعًا.
فإذا كان الإِمام في ربع من الدائرة لا يجوز لمأمومه أن يتقدَّمه في خصوص ذلك الربع مطلقًا سواء مستقبل جهة إمامه أو غيرها لو فرض، وأما إذا كان في غيرها جاز له التقدُّم والتأخُّر؛ لأنَّه وإن تقدَّم فهو متأخّر حكمًا لاختلاف جهتهما كما صرَّح به القُهُسْتَانيّ (١) وغيره.
_________
(١) هو شمس الدين محمد القهستاني الفقيه الحنفي، المفتي ببخارى، قال عنه ابن العماد: "وكان إمامًا عالمًا زاهدًا فقيهًا متبحّرًا جامعًا، يقال إنه ما نسي قط ما طرق بسمعه". له كتب منها: جامع الرموز. تُوُفِّي سنة ٩٥٣ هـ ﵀.
يُنظر: شذرات الذهب (٨/ ٣٠٠)؛ والأعلام (٧/ ١١).
1 / 23