بأن تخلق بطلا شديد البأس قوي الأصلاب يدفع عن ظلامتهم، ويرد عنهم العسف والجور، وأن يكون «لغلغامش» مصدر خوف وخشية فيخفف عنهم، ويروح عليهم شيئا ما، فلا يبطش بهم كل البطش، وضم الآلهة صلواتهم إلى صلوات المظلومين المرهقين استبدادا. وفي النهاية وافقت «آرورو» أن تخلق بطلا يناوئ «غلغامش» ... ثم تتصل القصة:
ولما سمعت الآلهة «آرورو» هذه الكلمات صورت في ذهنها بطلا يكون على صورة «عانو»، وغسلت «آرورو» يديها، وأخذت قطعة من صلصال كالفخار فكسرتها، ثم نبذتها إلى الأرض، وبذلك تم خلق البطل «إيباني».
ولما تم خلق هذا الشخص ظهر في صورة رجل متوحش يقطن الجبال والحراش، «فكان كل جسمه مغطى بالشعر الكثيف، بل كان مكسوا بشعر طويل كشعر النساء، وكان شعره ناميا قويا كشعر إله القمح، ولم يكن يعرف الأرض التي خلق من فوقها، ولا الناس الذين هبط عليهم، فكسي بأكسية تشابه أكسية إله الحقول، ومع الغزلان أكل العشب، ومع السوائم أروى عطشه ونقع غلته، ومع حشرات الماء رقص قلبه طربا.»
ولقد عثر على خراطيش وأختام أسطوانية منقوشة، مثل فيها «إيباني» كأنه مسخ - ساتير - له رأس إنسان وذراعاه وجسمه، وقرنا وحش وأرجله وأذناه. وكما رأينا من قبل نجد هنا أن هذا الرمز إنما يمثل الإنسان الحيواني - البدائي - يسرح مع السوائم في الحقول والأحراش، وهو على جهل تام بكل ما في المدينة من طارف وتليد.
خدعة إيباني
هنا يدخل في القصة عنصر جديد، هو عبارة عن شخصية «تسايدو»
Tsaidu
القناص. ويرجح أن هذه الشخصية قد سخرتها الآلهة لتتم اللقاء بين «غلغامش» و«إيباني». أما كيف قابل إيباني لأول مرة فليس بظاهر لتشوه كبير واقع في اللوح الأصلي. وقد قرأ البعض هذه القطعة المشوهة فقالوا بأنها تودي معنى أن ملك «أرك» لما علم بالمؤامرة التي دبرها الآلهة لكي ينزلوه عن عرشه ، أرسل «تسايدو» ليجوب في أنحاء الجبال والوديان باحثا عن «إيباني»، وقد حضه على أن يحيط به بكل الوسائل ويأتي به مكبلا في الأغلال إلى مدينة «أرك».
وقرأ البعض هذه القطعة فرجح عندهم أن اللقاء كان اتفاقا، ومهما يكن من هذا الأمر، فإن «تسايدو» رجع إلى «إريخ» وقص على «غلغامش» نتيجة تجاربه مع «إيباني»، وذكر له قوة الرجل المتوحش البالغة، وسرعته في العدو وقطع المسافات البعيدة في أقرب حين، وكذلك أخبره عن الخجل الشديد الذي يتولاه عندما يلتقي بأحد من أبناء النوع البشري، ومن الجلي أن «غلغامش» لا بد من أن يكون قد تأكد من السبب الذي أرسل الآلهة من أجله «إيباني»، فيحاول أن يفسد ما صمم عليه الآلهة بأن يلتقي شخصيا بالرجل المتوحش، وأن يضع لهذا اللقاء تصميما، فيأمر «تسايدو» بأن يعود إلى الجبال وأن يأخذ معه «أوخوت»، وهي إحدى الفتيات المقدسات التابعات لهيكل «عشتار».
أما غرضه فكان أن تلتقي «أوخوت» به وتتمكن بأخاديعها أن تأتي به إلى «أرك»، وعلى هذا يخرج القناص والفتاة، وتمضي القصة:
Page inconnue