utukku ، وتلك مسألة قد يمثل بها لعودة الشمس صبيحة كل يوم، بعد أن تكون قد تردت في العالم السفلي.
أما الصورة الميثولوجية الأخرى فهي الصورة التي تمثل «أوت-نابشتيم» وهو «نوح البابلي». وبينا نجد أن القصص الدائرة حول شخصية «إيباني» وشخصية «غلغامش» قد تدامجتا بعضها في تضاعيف بعض ، وإن كان في مستطاعنا حتى الآن أن نميز بينهما ونفرق بين عناصرهما، فإن أسطورة الطوفان وبطلها «أوت-نابشتيم» قد أدخلت في اللوح الحادي عشر من ألواح القصة كرواية رواها «أوت» نفسه لغلغامش. وعندما يظهر «أوت» لأول مرة على مرسح القصة، يظهر مزودا بكل صفات الآلهة وقواتهم وسلطانهم، تلك الأشياء التي خلعها عليه الآلهة جزاء وفائه لهم، أثناء الطوفان الذي أغرقت مياهه كل أفراد النوع البشري ما عداه. ويلوح لنا أن المقصود من رواية الطوفان ومزجها بقصة «غلغامش» الإشارة إلى البطل الكبير بأنه لا ينجي الإنسان من حتفه المحتوم إلا ظروف استثنائية، بل ظروف نادرة جدا في الحياة.
وفي القصة صور ميثولوجية أخرى بينة المقاصد، منها وقعة «غلغامش» مع المسخ «خومبابا»، وحب «إشطار» لغلغامش، والقتال مع الثور المقدس الذي أرسله «عانو» الإله، والبحث وراء شجرة الحياة. وهذه الصور مهما كان أصلها ومهما كان منشؤها، فإن الحقيقة أنها أدمجت في قصة «غلغامش» إدماجا. وعلى الرغم من العناصر التاريخية والميثولوجية التي تقع عليها خلال هذه العصور، فإن فيها قدرا غير ضئيل من مذاهب بابل الدينية، تظهر بجلاء في اللوح الحادي عشر (وفيه إشارة إلى أن كل الناس لا بد من أن يأتيهم الموت)، ولكن ذلك لا نقع له على أثر في اللوح الثاني عشر؛ حيث يظهر شبح «إيباني» لغلغامش، ويروي له ما يرى الموتى المدفونون تحت الثرى من إرهاق، أو أولئك الذين لا يعنى بهم أهلهم بعد موتهم، وزعمه بأن عناية الأحياء بالموتى هي السبيل الأوحد الذي يمكنهم من أن يفلتوا من الآلام المحمضة التي يصادفونها في العالم السفلي.
أما إذا أردنا أن نمتحن قصة «غلغامش» كما وصلتنا من البقايا المتناثرة التي حفظت في ألواحها، فإنا نجد أن اللوحين الأول والثاني قد شوها تشويها كبيرا، وليس لدى المنقبين من بقاياهما إلا قطع متناثرة غير مجموعة في مكان واحد، كما أنه يستحيل عليك أن تحكم على تلك القطع أيها من اللوح الأول وأيها من اللوح الثاني. كما أنه يتعذر عليك أن تحكم أين ينتهي الأول وأين يبدأ الثاني. وفي قطعة من هذه القطع قد تقع على ما يجعلك تحدس بأنه بدء اللوح الأول؛ إذ يدخل بك في تصدير يعرفك به مقدار الفائدة التي تجنيها من اطلاعك على محتويات اللوح، معددا لك إياها في جدول طويل. وبعد ذلك تأتي قطعة أخرى يستحيل عليك أن تعين موضعها من اللوح، وفيها وصف لحصار وقع لمدينة «أرك»، غير أنك لا تقع في هذه القطعة على ذكر «غلغامش». وفيها أيضا وصف مستفيض للآلام والمصائب التي عانتها «أرك» تحت الحصار، وإليك شيء من هذا الوصف:
وطأت الأتن أولادها إلى الحضيض، وفرت الأبقار صغارها فوق الثرى بأقدامها، والرجال يزأرون كالسوائم، والعذارى ينحن محزونات كالحمائم. لقد تبدلت آلهة «أرك» الشامخة الأسوار إلى ذباب هائم، يئز بأجنحته في الطرق والممرات، وأرواح «أرك» الحصينة المسورة قد انقلبت أفاعي تنساب في الجحور. لقد حاصر العدو «أرك» ثلاث سنوات، والأبواب مغلقة والمنافذ مقفلة، كل هذا و«عشتار» في سباتها لا ترفع رأسها أمام العدو.
فإذا صح يوما من الأيام أن هذه القطعة جزء من قصة «غلغامش»، فإنا ولا شك نعجز عن أن نحكم في «غلغامش»: أكان صاحب الحصار أم رافعه؟ أم أن له بهذه المسألة أية علاقة على وجه الإطلاق.
غلغامش مستبد
والآن نبدأ في شرح هذه القصة الشعرية، كما تبدأ على بقايا لوح من الألواح، يقول فيه بعض ثقات الباحثين إنه بدء اللوح الثاني، ولكن آخرين يرجحون أنه جزء من اللوح الأول. وفي هذا الطور نجد «غلغامش» يلعب على مرسح القصة دورا مزدوجا؛ إذ يظهر كأنه ملك على «إريخ» مستبد بأهلها. على أن مظهر الاستبداد غير جدير ببطل، بل إنه ليس من أخلاق الأبطال في شيء، وليس هنالك ذكر لحصار، كما أنك لا تعثر على شيء يستدل منه على المصدر الذي جاء منه «غلغامش»، على الرغم من أن الأرجح أنه جاء «أرك» كفاتح غاز.
ولدينا على صحة هذا الترجيح دليل هو استبداده بأهل المدينة، ففي هذا المظهر ريح الفتح والغزو عنوة. فقد سخر الفتيان في بناء حائط أو جدار عظيم ، واستأثر في بلاطه بأكثر الفتيات جمالا وأشدهن فتنة. إنه «لم يترك الصبي لأبيه، ولا الفتاة لخطيبها، ولا الزوجة لزوجها.» وفي النهاية فزع أهل المدينة إلى الآلهة من اسبتداد «غلغامش»، وصلوا للآلهة «آرورو»
Aruru
Page inconnue