وكلم الله نوحا وبنيه معه قائلا: وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومعه نسلكم من بعدكم، ومع كل ذوات الأنفس الحية التي معكم: الطيور والبهائم وكل وحوش الأرض التي معكم، من جميع الخارجين من الفلك حتى كل حيوان الأرض، أقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كل ذي جسد أيضا بمياه الطوفان، ولا يكون أيضا طوفان ليخرب الأرض. وقال الله: هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم، وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر، وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض، فيكون متى نشر سحابا على الأرض، وتظهر القوس في السحاب. إني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد، فلا تكون أيضا المياه طوفانا لتهلك كل ذي جسد. فمتى كانت القوس في السحاب أبصرها لأذكر ميثاقا أبديا بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض. وقال الله لنوح: هذه علامة الميثاق الذي أنا أقمته بيني وبين كل ذي جسد على الأرض.
وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافثا، وحام هو أبو كنعان، وهؤلاء الثلاثة هم بنو نوح، ومن هؤلاء تشعبت كل الأرض.
وابتدأ نوح يكون فلاحا، وغرس كرما، وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه؛ فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما، فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير، فقال: ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لإخوته، وقال: مبارك الرب إله سام، وليكن كنعان عبدا لهم ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدا لهم.
وعاش نوح بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، فكانت كل أيام نوح تسعمائة وخمسين سنة، ومات. (3) الطوفان في أساطير آشور وبابل
أسطورة الطوفان في ألواح بابل وآشور قسم من قصة حماسية بطلها شخص يدعى «غلغامش»
Gilgamesh ، منقوشة بالخط المسماري في اثني عشر لوحا. وتعتبر قصة «غلغامش» الشعرية في صف واحد مع قصة الخلق البابلية من حيث القيمة الأدبية بين كل ما خلف أهل بابل من الآثار. أما عناصرها المكونة لها فجمع بين كثير من المادة الميثولوجية استمدت من منابع كثيرة. ويجوز أن يكون لها أصل تاريخي تعود إليه نشأتها، ومن مجموع المادة الميثولوجية وتلك الأصول التي يرجح البعض أن القصة ترتكز عليها، نسجت هذه الأسطورة فأصبحت قصة واحدة مؤتلفة الوقائع والحوادث، وكلها تدور حول البطل «غلغامش» أمير «أرك»
Erech . أما المرجع الذي استمد منه الباحثون أصول هذه القصة فهو على الأخص بقايا الألواح المشوهة التي عثر عليها في مكتبة «آشور بانبال»
Assur bani-pal ، غير أن كثيرا من الشواهد والملاحظات التي عثر عليها الأرخيولوجيون تدل على أن بعض تقاليد هذه القصة على الأقل، إن لم تكن كلها إنما ترجع إلى عهد أبعد بكثير من عهد «آشور بانبال»؛ فإنك تجد مثلا أن لوحا يرجع تاريخه إلى 2100 سنة ق.م يحتوي على قصة في الطوفان هي بذاتها التي أدمجت في قصة «غلغامش»، وذكرت في اللوح الحادي عشر من ألواحها. والراجح أن هذه القطعة وغيرها من المقاطع التي تتكون منها هذه الأسطورة قد تنوقلت بالرواية التقليدية أزمانا طويلة قبل أن تنقش على هذه الألواح؛ أي إنها ترجع إلى العهد السومراني
Sumerian Period .
كان «آشور بانبال» من أكثر الملوك عناية بالأدب ومن حماة الثقافة، فقد جمع في مكتبته العظيمة بمدينة «نينوه »
Page inconnue