L'histoire de la création: Sources du Livre de la Genèse
قصة الخلق: منابع سفر التكوين
Genres
لكن التطور التالي الذي لحق بعبادة البعل الملك يهوه، ليتحول به من إله قبلي إلى عالمي، يطلب السيادة على القبائل والشعوب الأخرى، فقد جاء مترافقا مع ظروف عالمية وتغيرات جدت بعد السبي في الرافدين، وقام بهذه المهمة بكفاءة عالية عدد من الأنبياء، أشهرهم «دانيال وأشعيا»، اللذين كانا على علاقة سرية وخاصة بالدولة الفارسية الطالعة الطموحة، وبعلها «كورش»، حتى اتهم أشعيا - بسبب هذه العلاقة - بالجاسوسية لحساب الفرس، رغم وضوح أنه كان يعمل بإخلاص لفك أسر اليهود على يد قورش، ولو مع بعض التنازلات الدينية التي لا بأس بها إزاء الغرض الأكبر. وكانت هذه التنازلات هي سبب هجوم اليهود عليه واتهامه بالعمالة. وقد استطاع أشعيا وصحبه أن يفتحوا أبواب بابل للفرس، وبعد سقوط هذه القوة الكبرى تمكن قورش من الزحف قدما ليكون أكبر إمبراطورية ظهرت في الشرق حتى عهده. وباعتبار اليهود قطعة من هذا الملك الواسع، فقد تصرف الأنبياء وفق الوضع الجديد، واستغلوه سياسيا ودينيا بذكاء، فحولوا إلههم المحلي إلى إله عالمي، ولم يترددوا عن التجاسر بالقول إنه هو إله قورش؛ ومن ثم إله الإمبراطورية، بل وسجلوا ذلك في توراتهم، وادعوا أن قورش كان يعمل بنصح «يهوه» وإرشاده حتى بلغ بهم الأمر مبلغا كبيرا فقالوا إن قورش هو مسيح «يهوه» المنتظر، ومخلص اليهود الذي طالما ترقبوا ظهوره ليعيدهم إلى أرضهم ليبنوا دولتهم من جديد، هذا رغم أن قورش كان رجلا مؤمنا بديانته الزرادشتية، مخلصا لها تماما، لكنه لم يجد بأسا ولا حرجا في قليل من المجاملة لجواسيسه الخلص فتغاضى عما كان يعلنه اليهود عنه وعن الرب يهوه، ما دام الأمر لم يتجاوز النطاق الديني أو نطاقهم هم الديني بتعبير أدق. وزاد قورش في المجاملة فأطلق سراحهم من الأسر، وساعدهم في إقامة هيكلهم مرة أخرى، ثم تزوج واحدة منهم «إستير» وجعلها ملكة على بابل.
وكان لتبادل هذه المجاملات والسماحات بين العاهل الفارسي العظيم وبين اليهود، دوره الفاعل في تحول «يهوه» من إله قبلي محلي إلى إله عالمي ...
وسبق ذلك عدة محاولات سريعة لتخليص «يهوه» من ارتباطه بمولك الثور ومن السرافيم «الحيات» والكروبيم «الثيران الطائرة»، فقام عدد من الأنبياء بهذه المهمة بجرأة شديدة ليعلنوا كفرهم بالإله الثور، والتنديد به والتطاول عليه، فهذا يجهر قائلا: «قد زنخ عجلك يا سامرة» (هوشع 8: 5)، وذاك الملك حزقيا بن أحاز يتبع الدعوة الجديدة، فتسجل التوراة عنه، أنه «هو أزال المرتفعات، وكسر التماثيل، وقطع السواري، وسحق حية النحاس التي عملها موسى، لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها» (ملوك ثاني 18: 4).
ولذلك «أمر الملك حلقيا الكاهن العظيم، وكهنة الفرقة الثانية، وحراس الباب أن يخرجوا من هيكل الرب جميع الآنية المصنوعة للبعل (إقرار واضح بصدق فرضنا)، وللسارية ولكل أجناد السماء، وأحرقها خارج أورشليم، في حقول قدرون، وحمل رمادها إلى بيت إيل ... وذبح جميع كهنة المرتفعات ... وكذلك السحرة والعرافون والترافيم والأصنام، وجميع الرجاسات» (ملوك ثاني 23: 4-24).
ومن ثم جاز ليهوه بعد ذلك أن يزهو بذاته الوحيدة، فيقول على لسان أشعيا:
أنا الرب وليس آخر، لا إله سواي ... أنا الرب وليس آخر، مصور النور وخالق الظلمة، صانع السلام. (أشعيا 45: 5-7)
أنا الأول وأنا الآخر، ولا إله غيري وكل شيء أنا أعلم به ... أنا الرب صانع كل شيء، ناشر السماوات وحدي، باسط الأرض، من معي؟ (أشعيا 44: 6-24)
الجالس على كرة الأرض ... الذي ينشر السماوات كسرادق، ويبسطها كخيمة للسكن، الذي يجعل العظماء لا شيء (أهل بابل)، ويصير قضاة الأرض كالباطل ... فبمن تشبهونني فأساويه؟ (أشعيا 40: 22-25)
هكذا تكفل أشعيا بإشاعة أن يهوه قورش وناصره، ومن ثم هو إله الإمبراطورية والعالم، ولم يعترض قورش المجامل على جواسيسه الذين كانوا ينقلون له أخبار بابل ومختلف الشعوب أولا بأول بوفاء جلي.
أما دانيال النبي فقد تكفل بمهمة أخرى، فقام يرد تحية قورش بأحسن منها، فأدخل إلى اليهودية عقيدة جديدة لم تكن فيها أبدا من قبل، أخذها عن ديانة كورش «الزرادشتية» ليكون هذا المزج الديني كفيلا بتحقيق الأهداف المرجوة؛ فقد ظل اليهود طوال عصورهم يعتقدون أن الموتى جميعا يرحلون إلى العالم التحت أرضي، صالحهم وطالحهم، ذلك العالم الذي أسمته التوراة «الهاوية» و«شيول» وأكدت التوراة هذا المعنى، فهي تقول: «من جهة أمور بني البشر، إن الله يمتحنهم ليريهم أنه كما البهيمة هكذا هم ... موت هذا كموت ذاك، ونسمة واحدة للكل.» (جامعة 3: 18-19)
Page inconnue