L'histoire de la création: Sources du Livre de la Genèse
قصة الخلق: منابع سفر التكوين
Genres
ومع استمرار الطوارئ، تحولت الحاجة لهذه الإدارة من حاجة مؤقتة طارئة إلى حاجة دائمة مستمرة، مما أدى إلى ديمومة سلطة الوسيط ومعاونيه فتحول بالتدريج إلى كاهن وحاكم كبير، كما تحول المشترك القروي بذلك إلى مشترك معبدي، يضم مجموعة مشتركات قروية، لتظهر إلى الوجود دولة المدينة، التي تخضع كليا لإله المدينة الأعظم، وبالتالي لنائبه ووسيطه الأرضي، حتى عد هذا الإله سيدا إقطاعيا متغيبا (لبعض شئونه)، لكنه كان يثبت حضوره باستمرار بما يطلبه من إنتاج أعضاء المشترك المعبدي، من قرابين ونذور وتضحيات وهبات، أدى تراكمها إلى زيادة قدرات الكاهن الحاكم الوسيط، وبدأ يتحول بما يملك من مواد متراكمة وأحيانا نادرة إلى ملك مطلق النفود.
وبمرور الزمن، أخذ الملك يتفرغ للعمل الإداري والسياسي، لمواجهة المشتركات الأخرى التي تحولت بدورها إلى ممالك، تاركا مهمة الاتصال بالآلهة لأتباع فوضهم عنه لهذا الغرض، ليصبحوا وسطاء يعقدون معها المحالفات، ويتلقون توجيهاتها ويسكنون ثائرتها، ويبلغونها برغبات عبادها. ومن هنا بدأت تظهر ثلاث طبقات متمايزة، هي الطبقة الإدارية أو البيروقراطية ممثلة في الجهاز الإداري الحكومي وعلى رأسه الملك وحاشيته ومعاونوه ورجال جيشه؛ وطبقة الكهنة، وباقي جماهير الشعب التي تشكل الطبقة الثالثة في الدولة.
وقد وجد الكهنة بالذات سبيلا سريعا للإثراء، من خلال إمساكهم بعنان المزاج الإلهي إن رضا أو غضبا، مما أدى أحيانا إلى اصطدام الكهنة بالملك، مما كان يضطر الملك إلى خلع الإله المزعج، وإعلان نفسه إلها، بانقلاب سلمي يمسك بزمام الكهنة، وحينها كان نظام حكم المدينة يتحول إلى الشكل الاستبدادي المطلق.
لكن يبدو أن جدل التطور قد توقف بالسومريين عند حدود المدينة، فتحددت ملامح حضارتهم بحدود الدولة المدينية، ومن ثم اتسمت هذه الحضارة بخاصية المدن المستقلة، التي لم تعرف الوحدة الشاملة، إلا على يد الغزاة الساميين الذين أقاموا الدولة الأكادية، إلا أن نظام المدن المستقلة السومري، لم يوقف عملية التطور الداخلي لكل مدينة على حدة، فاستمرت عملية النمو الحضاري لكل مدينة تسير في طريقها قدما، مع تبادل الفكر والثقافة وأهم المآثر الدينية، وكافة الأساليب الحضارية المتيسرة لها، فيما بينها، وهو ما يعقب عليه «عبد العزيز صالح» بقوله:
وهكذا قطع السومريون أكثر من خمسة قرون من بداية عصر الأسرات العراقي، غابت فيها الوحدة السياسية الكاملة عن آفاقهم، وذلك على الرغم من أن أهلها في مجموعهم، كانوا يحسون تلقائيا بوحدة جنسهم، ويحسون بتقارب مذاهبهم الدينية التي شجعتهم على أن يتمثلوا أربابهم في بعض آخر، وتخيلوا صفات بعضها لبعض آخر.
8
ثم يحاول «نجيب ميخائيل» تعليل عدم قيام وحدة سياسية سومرية مركزية كبرى، وهو الأمر الذي أنجزته مصر مبكرا بقوله:
إن الحياة في وادي الرافدين، كانت تختلف اختلافا بينا عنها في وادي النيل؛ فوادي الرافدين أقل دفعا للوحدة السياسية، ومن ثم كانت هناك الدول المدن التي تأخر توحيدها، وإن لم يقم ذلك حائلا دون تطورها. والعراق القديم كان مفتوحا، بينما كانت مصر مغلقة؛ أسهم وجود الصحراء على جانبي واديها في صيانة كيانها ورد كثير من الهجمات حتى استطاعت أن تغلق في كثير من الأحيان أبوابها، دون الطامحين فيها. أما مجاورات العراق القديم، فأراض خصبة، استطاعت أن تأوي إليها شعوب تهددها، وتعرض أراضيها للعدوان، الذي كان يؤثر على ركب الحضارة، فيعطله أو ينال منه.
9
ومع ذلك فيبدو أن السومريين قد استشعروا نوعا من الوحدة القومية بينهم رغم الفرقة السياسية، وهو ما يمكن أخذه من تأكيد الآثاريين:
Page inconnue