وإن قائله صخر الهذلي، وأنه في صفحة كذا من لسان العرب، وطالب الشنقيطي بالجائزة، فكتب الشيخ الشنقيطي يقول: «وقف لنا الشيخ حسن الطويل بين السماطين يطالبنا بالجائزة كأنما أعددنا الجائزة لمن يخطئ لا لمن يصيب.» فكتب الطويل يقول: «روي البيت خطأ فصححناه، وزيد الصحيح هو عينه زيد المريض.»
فكتب أحمد زكي باشا ينصر الشيخ الشنقيطي على الشيخ الطويل، وفي ذلك الحين قابلت الشيخ الطويل ومعه سلطان بك محمد، فسلمت عليهما، فقال لي الشيخ الطويل: «لماذا لم تنصرني؟» فكتبت رسالة في «المقطم» نظرت فيها إلى النزاع من ناحيته القانونية، وانتصرت فيها للشيخ الطويل وقلت: إنه يستحق الجائزة. ولكن الشنقيطي أبى أن يدفعها! (7) في إستانبول
وفي صيف سنة 1893م سافرت إلى إستانبول، وكنت ما أزال طالبا بالحقوق، فالتقيت بزميلي وصديقي المغفور له إسماعيل صدقي (باشا)، وكان الخديو عباس حلمي الثاني يزور وقتئذ العاصمة العثمانية، فكنا فيها نحن الاثنين كأنما نمثل الطلبة المصريين في الاحتفال بالخديو.
وذات يوم كنت سائرا مع «إسماعيل صدقي» نتنزه على «كوبري غلطة»، وكان به شيء من القدم والتهدم، فأخذ «إسماعيل» يتساءل: أين ميزانية الدولة؟ وينتقد بطء التعمير والإصلاح، ويظهر أنه كان يسير وراءنا - دون أن نشعر - جاسوس عثماني، كما كانت الحال في ذلك الزمان، فأبلغ رؤساءه هذا الانتقاد.
وبعد بضعة أيام ركبنا معا حصانين، وذهبنا للتفرج في «بيوكدره» ولما عدنا إلى المرفأ لنركب «الحميدية» إلى إستانبول قال لي إسماعيل صدقي: «أرجو أن تنتظرني حتى أمر بأمين باشا.» فانتظرته على ضفة البوسفور حتى عاد من زيارته، فوجدته ممتقع اللون واجما حزينا، فسألته عن أمره، فأجاب: «سأقول لك متى دخلت المركب.» ثم قال لي ونحن في «الحميدية»: «إن أمين باشا كان في «المابين» (المعية السنية) فسمع من رجاله أن شابا مصريا اسمه إسماعيل صدقي تكلم ضد الدولة العلية وسياستها.» وكان جزاء من يثبت عليه ذلك أن ينفى في بغداد حتى يموت، ولكن أمين باشا أجابهم: «إن هذا الشاب الذي تعنونه ليس غير تلميذ صغير في المدرسة لا يعبأ بكلامه.»
فقالوا له: «إذن ما دام يهمك، فليسافر في أول سفينة تقوم من إستانبول.» فسافر إسماعيل صدقي في صباح اليوم التالي، ووصل إلى مصر في 12 يوما.
أما أنا فبقيت في إستانبول مدة إجازة الصيف أتتلمذ على جمال الدين الأفغاني.
الفصل الثاني
اشتغالي بالسياسة
(1) تتلمذت على جمال الدين
Page inconnue