فقال شعراوي باشا: «من أين جئت يا بطرس باشا؟» فأجاب: «كنت أتنزه ماشيا في الجزيرة.» فلامه شعراوي باشا على أنه كان يسير بلا حرس، فقال بطرس: «قد يكون معك الحق؛ لأني تلقيت منذ أيام كتبا يهددني فيها كاتبوها بالقتل!»
فقلت له: «يا باشا أظن أن الذي يريد أن يقتل لا يهدد!»
وقد أخطأت الظن لأنه رحمه الله قتل بعد ذلك بأيام، وكان لهذا الحادث رنة أسف بليغ، وعلى الخصوص في البيئات المتعلمة. (7) قضية الجريدة
قدمت أن الخديو عباس حلمي لم يكن راضيا عن شركة «الجريدة» ولا عن حزب الأمة، وأن بطانته كانت تعارض «الجريدة» وتعمل لحل الشركة، وقد أفلحت هذه البطانة في إقناع بعض الشركاء بالخروج على الشركة، وطلب حلها سنة 1910 ثم رفع هذا البعض دعوى أمام المحكمة المختلطة طالبا هذا الحل، وقد دفعت مصاريف الدعوى - على ما علمت - من الخاصة الخديوية، وأنعم على هؤلاء المدعين بالرتب، وكان المحامي الذي رفع الدعوى هو محامي الخاصة، فكتبت مذكرة بكل هذه التصرفات وأعطيتها للأفوكاتو جرين المحامي عن الشركة.
وقد كان الأمير حسين كامل (السلطان حسين) رئيسا لمجلس شورى القوانين وقتذاك؛ فدعا محمود باشا سليمان، وعلي شعراوي باشا ، وأنا، ولما استقر بنا الجلوس، قال الأمير حسين: «أنا لا أفهم أنكم ترفعون دعوى على خديو البلاد!»
فقلت له: «يا أفندينا وأنا كذلك، ولكن سمو الخديو هو الذي رفع علينا الدعوى.»
وما كدت أسرد له أدلتي حتى دخل علينا بطرس غالي باشا رئيس الحكومة، واتفقنا في المجلس على أن يطلب المدعون تأجيل الدعوى إلى أجل غير مسمى، وما زالت مؤجلة حتى الآن! (8) محاضرات في «الجريدة»
وقد كانت صحيفة «الجريدة» عدا ما تقوم به من خدمة وطنية وسياسية تقوم برسالة ثقافية بين الشباب المتعلم، فكان يؤم دارها كثير منهم للاستماع إلى محاضرات عدد من كبار الأساتذة والمحامين المصريين، وقد اتفق وقتئذ أن ناظر مدرسة الحقوق الإنجليزي - وكان أستاذ القانون المدني بها - لم يكن من الحاصلين على شهادة الليسانس بل سقط في امتحان الليسانس في باريس، فأخذت «الجريدة» تطالب الحكومة أن تستبدل به غيره، فلم تجب إلى طلبها، فدعوت المرحوم الأستاذ أحمد عبد اللطيف ليدرس القانون المدني للطلبة في دار الجريدة، فقبل هذه الدعوة، وكان يؤم دروسه الكثيرون، ومن تلامذته كامل البنداري باشا، وأحمد صديق باشا، وغيرهما.
وفي ذلك العام - عام 1910 - وضع حزب الأمة مشروعا للدستور، وفكر في أن يقدم للخديو عريضة من أهالي البلاد بطلب الدستور، وقد حررت هذه العريضة، وأخذ الأهالي في إمضائها، وهنا لا أنسى مكرمة للمرحوم حسن باشا رضوان، وكان وقتئذ مديرا للغربية؛ فقد قابلته في وزارة الداخلية، وأسررت له الأمر، وطلبت إليه أن يغض الطرف عن هذا العمل الذي سنبتدئ به في مديرية الغربية، فأجابني: «كلا، لن أغض الطرف، بل سأساعد على إمضاء العريضة من الأهالي!» وقد وفي هذا المدير الوطني بوعده!
هوامش
Page inconnue