Histoire de la philosophie grecque
قصة الفلسفة اليونانية
Genres
العلة بأنها «الشيء الذي يسبق الظاهرة ويكون سببا لها لا يختلف ولا يتغير.» فالعلة الغائية لا تسبق الظاهرة، وكذا العلة الصورية؛ لأنه لا يقصد بما يسبقها أن يكون جزءا منها ومكونا لها، إنما يعني العلم الحديث بالعلة المادية والعلة المحركة، وهما ما يسميان تقريبا في عرفنا بالمادة والطاقة، بل هناك خلاف أيضا في تصور أرسطو للعلة المحركة وتصور المحدثين لها، فالعلم الحديث يعني بها الطاقة الميكانيكية بينا أرسطو يعني بها القوة الكمالية التي تجذب إلى الغاية لا التي تدفع من المبدأ.
ثم خطا أرسطو خطوة أخرى وهي تركيز هذه العلل الأربع في اثنتين سماهما المادة والصورة، ويعبرون عنهما عادة في الكتب الفلسفية بالهيولى (المادة) والصورة، والذي دعاه إلى هذا أنه رأى أن العلة الصورية والمحركة والغائية ترجع كلها إلى الصورة، ذلك؛ أولا: أن العلة الصورية والعلة الغائية شيء واحد في النهاية؛ لأن العلة الصورية كما قدمنا ماهية الشيء وما به الشيء هو هو، والعلة الغائية بالتعريف الذي شرحناه هو بروز الشيء المطلوب إلى الوجود، وظاهر من هذا اتحادهما. ثانيا: العلة المحركة والغائية شيء واحد؛ لأن العلة المحركة هي علة الصيرورة، والعلة الغائية هي النهاية التي تصل إليها هذه الصيرورة. وعند أرسطو أن كل الأشياء إنما تتحرك لغايتها، وإنما توجد لغايتها، فالغاية هي التي تحرك للعمل، وبذلك تكون العلة الغائية هي علة الحركة أو العلة المحركة، ولنضرب لذلك مثلا: فالعلة الغائية لشجرة الورد هي الورد نفسه، والورد هو على نمو الشجرة، أو بعبارة أخرى العلة المحركة للشجرة، فالشجر إنما ينمو و«يتحرك» طبيعيا ليصل إلى غايته وهو الورد، وربما كان ذلك أظهر في أعمال الإنسان؛ لأنه يعمل لغاية يشعر بها ويقصدها، أما الطبيعة فتسير نحو الغاية بلا شعور، ففي مثال التمثال السابق: العلة المحركة للتمثال هو المثال؛ فهو الذي يحرك البرنز، ومع ذلك فالذي يحرك المثال للعمل ويدفعه إليه في البرنز هو الفكرة التي لديه من إخراج التمثال كاملا، أو بعبارة أخرى العلة الغائية، فالعلة الغائية إذن العلة النهائية للحركة، وبذلك يكونان متحدين، وفي أعمال الطبيعة لا عقل ولا فكرة، ولكنها بذاتها تتحرك لغاية، وهذه الغاية هي التي تحركها، وتكون النتيجة من ذلك كله أن العلل الثلاث: الصورية والمحركة والغائية، يمكن رجوعها إلى شيء واحد سماه أرسطو «الصورة»، وجعل في مقابلة ذلك كله المادة أو «الهيولى».
هذه الهيولى والصورة هما أساس فلسفة أرسطو الميتافيزيقية وبهما شرح العالم، وقد رأى أن الهيولى والصورة لا تنفصلان فلا صورة من غير هيولى، ولا هيولى من غير صورة، وكل موجود في الخارج يكون منهما، وهما ليسا منفصلين إلا في الذهن، ونحن نفكر فيهما منفصلين لنفهمهما فقط، والهندسة تحدثنا عن الأشكال كأنها قائمة بنفسها؛ فتذكر المثلث والمربع والمخمس والدائرة على أنها أشكال، ولكنها في الحقيقة ليس لها وجود ذاتي مستقل، إنما في الخارج أشياء على شكل مثلث أو أشياء على شكل مربع أو أشياء مدورة، لك الحق أن تتكلم عن خواص الأشكال كأنها أشياء مجردة، ولكنها في الحقيقة لا وجود لها بنفسها في الخارج ، فإذا فهمت أن لها وجودا خارجيا فقد وقعت في الخطأ الذي وقع فيه أفلاطون في عالم المثل.
ويجب الحذر من أن تفهم أن أرسطو يعني بالصورة الشكل، وإنما يعني بها جميع صفات الشيء من لون وخفة وثقل وجمال وقبح ولمعان وانطفاء وما إلى ذلك، ويعني بها كذلك العلاقة بين أجزاء الشيء بعضها ببعض، وعلاقة كل جزء بالكل ... إلخ، أما الهيولى فما اتصف بهذه الصفات وأمثالها.
فالهيولى إذن في ذاتها لا صورة لها ولا مظهر، ولا تحد ولا توصف، إنما الذي يحد الهيولى ويجعلها توصف وتظهر هو الصورة، وينتج من ذلك أن ليس هناك فرق بين الهيولى بعضها وبعض، فالشيء إنما يختلف عن الشيء بصفاته، وبذلك نستطيع أن نفهم أن ليس يعنى أرسطو بالهيولى ما نعبر عنه الآن بالمادة أو العنصر، فنحن نقول إن مادة الذهب مثلا تخالف مادة الفضة، وعنصر الأوكسيجين غير عنصر الإدروجين، ولكن في نظر أرسطو الهيولى أعمق من ذلك وليس الذهب عنده يختلف عن الفضة في الهيولى، ولكن في الصورة، أو بعبارة أوضح في الصفات، فالهيولى عنده تكون أي شيء حسب صفاتها، ويعبر هو عن ذلك تعبيرا آخر شائعا في الفلسفة وهو «ما بالقوة وما بالفعل» (
)، فالهيولى صالحة أن تكون أي شيء، أو بعبارة أخرى هي أي شيء بالقوة، ولكنها «بالفعل» شيء معين، والذي منحها هذا التعيين هو الصورة.
فالوجود أو الخلق هو تحول ما هو بالقوة إلى الشيء بالفعل، وكل حركة وكل تغير ليس إلا خطوات التحول من القوة إلى الفعل، وبعبارة أخرى من المادة إلى الصورة، والمادة وحدها ليس لها وجود في الخارج، إنما الموجود في الخارج مادة اتخذت لها صورة.
وليس هذا التحول من المادة إلى الصورة أو من القوة إلى الفعل تحولا حيثما اتفق، أعني أن المادة أثناء تحولها إلى صورة ليست تسير من الخلف بحركة ميكانيكية بحتة، إنما تسيرها «الغاية» وتجذبها إليها كما يجذب المغناطيس الحديد؛ فما لم تكن الغاية حاضرة فليس هناك قوة تحول المادة إلى صورة، فالغاية سابقة «في الفكر » على الوجود، ولكن من حيث «الزمن» ومن حيث الوجود الخارجي الشيء أولا وحصول الغاية ثانيا، فسكنى البيت غاية سبقت في الذهن بناء البيت، ولكن في الخارج بناء البيت أولا والسكنى ثانيا؛ فالذي حرك العالم إلى الوجود هو الغاية، والذي يحرك الإنسان إلى العمل هو الغاية.
وليست علاقة الله بالخلق علاقة زمن، فأرسطو يعتبر أن الزمن ليس شيئا حقيقيا ثابتا وإنما هو مظهر فقط، فالإنسان العادي يرى أنه متى كان الله هو الخالق للعالم، وجب أن يكون الله أولا وبعد سنين ربما قدرت بالملايين، رأى الله - لسبب ما - أن يبرز العالم إلى الوجود فأوجده، فهو يرى أن علاقة بالله بالعالم علاقة زمن فهو أول والعالم ثان، وعلاقة العالم بالله علاقة علة بمعلول أو مؤثر بأثر، ولكن الفيلسوف يعتقد أن هذه الزمنية عرضية ومسألة ظاهرية لا حقيقة لها، وأن العلاقة ليست زمنية ولا علاقة مؤثر بأثر، إنما هي علاقة منطقية، علاقة مقدمة بنتيجة، ف «الله مقدمة منطقية والعالم النتيجة»، والله منح العالم وجوده كما تمنح المقدمة النتيجة وجودها؛ فالنتيجة في القضية المنطقية تتبع المقدمة أعني المقدمة تذكر أولا والنتيجة ثانيا، ولكن جاءت أولا في الفكر لا في الزمن، فالتقدم والتأخر في المقدمة والنتيجة فكري لا زمني، وكذلك واجب الوجود أو مفيض الوجود على العالم عند أرسطو هو أول في الفكر لا في الزمن.
يقول أرسطو: إن العالم هو سلسلة ترق للمادة من صورة إلى صورة أرقى منها، فالعالم درجات بعضها فوق بعض، فما كان من الأشياء في منزلة عالية يكون قد غلبت صورته مادته، وما كان منها في درجة سافلة يكون قد غلبت مادته صورته، حتى إذا وصلنا إلى نهاية الحضيض وصلنا إلى مادة لا صورة لها، وإذا وصلنا إلى الذروة العليا وجدنا صورة لا مادة لها، ولكن هاتين النهايتين ليستا إلا معاني مجردة لا وجود لها في الخارج؛ لأن الذي في الخارج - كما قدمنا - ليس إلا مادة بصورة، والعالم يسير في ارتقاء مستمر، والحركة والتغير مستمران ينقلان ما فيه من درجة إلى أعلى منها، تجذبه نحوها قوة الغاية.
Page inconnue