Histoire de la philosophie grecque
قصة الفلسفة اليونانية
Genres
ولما كان مثال الخير هو المثل الأعلى كانت كل المثل تسير نحوه، وهذا العالم أيضا بسيره نحو المثل ينشد الخير، أي الكمال.
وهذا يسلمنا إلى التساؤل عن رأي أفلاطون في الله، وإذا تتبعنا قوله نراه يعبر عن الله طورا بصيغة المفرد، وطورا بصيغة الجمع، وينتقل في تعبيراته بسهولة من التوحيد إلى التعديد؛ ذلك لأنه يذكر أحيانا ما يفهم منه أن هناك آلهة متعددين، ويقول بعد إن هناك «خالقا» أعلى يدبر العالم ويحكمه، وهو فوق أن تحيط به العقول، ولكن ما علاقة هذا الإله الأعلى بالمثل وخاصة بمثال الخير الذي قال عنه أفلاطون «إنه أساس كل المثل»؟ الجواب عن هذا السؤال لم يتضح من كلام أفلاطون وضوحا تاما؛ لأنه استعمل في الكلام طريقة ميثولوجية، ومن ثم أخذ الشراح يفرضون الفروض لشرح هذه العلاقة، وملخص ما قالوا: إن هذه العلاقة لا تخلو من أمور ثلاثة لم يسلم كل منها من الاعتراض: فقد نقول إن الله خالق المثل ومنها مثال الخير، وهذا الفرض يهدم نظرية المثل من أساسها؛ لأنها مؤسسة على أنها قديمة لم يخلقها خالق، ولا تدين بوجودها لشيء آخر. وقد نقول إن مثال الخير أوجد الله، وهذا الفرض يحط من شأن الله ويجعله مجرد مخلوق. والفرض الثالث أنه أزلي أبدي وهو يتعاون مع مثال الخير على تدبير هذا العالم، وهذا يجعل مذهب أفلاطون ثانويا تافها. ولما رأى بعض الشارحين أن هذه الأقوال لا تنتج فرض فرضا آخر: وهو أن الله ومثال الخير كلمتان مترادفتان استعملها أفلاطون لمعنى واحد، واستدل على ذلك بعبارات وردت في كلامه، ولعل هذا أقرب الفروض لرأي أفلاطون.
كذلك مما طبقه أفلاطون على نظريته في المثل قوله في الحب، وقد لاك الناس كثيرا كلمة «الحب الأفلاطوني» ولكن أكثرهم لم يفهم معناها كما أراده أفلاطون، فأفلاطون يعتقد أن نفس الإنسان قبل ولادته كانت مجردة عن الأجساد، وكانت تعيش في عالم المثل تتأمل وتفكر، فلما حلت بالجسم - بالولادة - وانغمست في عالم الحس نسيت عالم المثال، فإذا وقع النظر على شيء جميل تذكرت مثال الجمال الذي كانت تعيش فيه وفي أمثاله؛ لأن هذا الجميل صورة من ذلك المثال، وهذا هو السبب فيما نشاهد من وله وهيام وفرح وعواطف حادة، ونحو ذلك مما يصحب النظر إلى الجميل، وهذا الحب للصورة الجميلة أول خطوة في الحب تتدرج منها النفس إلى درجات أرقى، فتدرج من حب الصورة الجميلة إلى حب النفس الجميلة إلى حب العلوم الجميلة إلى حب مثال الجمال إلى حب عالم المثل جميعه، إلى الفلسفة.
وحب الفلسفة هو غاية الغايات، هو الغاية التي ليس وراءها غاية، ومن ثم كان أفلاطون يرى أن من المستحيل الإجابة عن سؤال «ما فائدة الفلسفة؟» ويرى أن السؤال نفسه فاسد؛ لأن فائدة الشيء إنما تظهر بما هو غاية له، ففائدة المال تظهر في الأشياء التي يعد المال وسيلة إليها، فإذا سألت ما فائدة الفلسفة؟ فمعنى ذلك أن الفلسفة وسيلة لشيء، وهذا قلب لوضع الأشياء، فليست الفلسفة وسيلة لشيء، وإنما كل شيء وسيلة للفلسفة.
هذا ملخص نظرية الحب الأفلاطوني، وقد اعترض عليه بأن مقتضى قوله أن للقبح مثالا كالذي للجمال، وهذا ما تقتضيه نظرية أفلاطون في المثل، ومثال القبح معنى أزلي أبدي كامل كمثال الجمال، فكان يجب أن يكون المنظر القبيح يملؤنا فرحا وهياما ويهيج عواطفنا على النحو الذي يكون عند رؤية الجميل؛ لأن كلا يذكرنا بعالم المثل.
3
ولم يتعرض أفلاطون لشرح هذا المعنى أو الإجابة عن هذا الاعتراض الذي تستلزمه نظريته.
4 (3) رأيه في الطبيعة أو في هذا الوجود
يرى أفلاطون أن هناك عالمين: عالم المثل وهو عالم الحقيقة وهو الأساس، وعالم الطبيعة وهو عالمنا هذا، وهو عالم الظواهر المحدود بالزمان والمكان. أما العالم الأول فليس محدودا بزمان ولا مكان، وعالم الطبيعة ينقسم إلى قسمين: جسماني وهو هذه الظواهر التي نراها ونحس بها، وغير جسماني وهو النفس، ولنتكلم عن رأي أفلاطون في كل من النوعين. (3-1) العالم الجسماني (عالم الحس)
يرى أفلاطون - كما أسلفنا - أن هذا العالم الحسي صورة لعالم المثل، فكل شيء يحاول أن يحاكي مثاله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وكلما اشتد قربا من مثاله كان أكبر حظا من الحقيقة، ولكن لماذا يكون للمثل أشياء تصورها وتمثلها؟ وبم نعلل انبعاث هذه الصور الحسية التي تنسج على منوال مثلها؟ وكيف خرج عالم الحس من عالم المثل؟ لم يجب أفلاطون عن هذه الأسئلة إجابة واضحة صريحة، ولكنه سلك في ذلك التعبير الشعري، وذلك في كتابه المسمى تيمايس
Page inconnue