Histoire de la philosophie grecque
قصة الفلسفة اليونانية
Genres
Gorgias
كان يعلم البلاغة وعلم السياسة، وبروديكوس
قواعد النحو والصرف، وهبياس
Hippias
التاريخ والطبيعة والرياضة، وعلى العموم كان غرضهم تعليم اليونان ليكونوا وطنيين صالحين للحياة، وكانت السياسة والاشتغال بها أكبر شاغل لعقل اليونان إذ ذاك، وكان الطموح لشغل منصب سياسي كبير مستوليا على أذهان كثيرين، وقد ساعد على ذلك سيادة الديمقراطية يومئذ، فكان أهم ما يحتاج إليه الطالب البلاغة والإلقاء والقدرة على الجدال حتى يستطيع أن يواجه كل مسألة تعرض، إما بفكرة صحيحة أو بلعب بألفاظ لإفحام السائل؛ لذلك كان من أهم تعاليمهم علم البلاغة، وهم يعدون بحق مؤسسي هذا العلم، وكان ذلك يكون محمودا لو أنهم وقفوا موقفا صحيحا في تعليم البلاغة، وخدموا بها الحقيقة حيث كانت، ولكنهم قصدوا إلى تعليم الشباب كيف يخدمون الفكرة كائنة ما كانت، وعلى أي وجه كان، بالحق أو بالباطل، فكان شأنهم شأن محام يخدم قضيته من أي سبيل، حتى روى عن أحدهم «جورجياس» أنه قال: ليس من الضروري أن تعلم شيئا عن الموضوع لتجيب، وقال إن في استطاعته أن يجيب كل سائل عن كل ما يسأل؛ لذلك كانوا يعلمون كيف يكسبون خصومهم بكل الوسائل، باللعب بالألفاظ، بالاستعارات والكنايات الجذابة، بخداع المنطق وتمويه الحقيقة، ومن أجل ذلك سمي اللعب بالألفاظ والتهريج في الحجج «سفسطة» اشتقاقا من السوفسطائيين.
1
ترى من ذلك أن السوفسطائيين قد اتجهوا بعنايتهم إلى الحياة العملية دون الفلسفة النظرية التي تبحث عن الحقيقة الخالدة، وانصرفوا إلى تدريب الشبان لنيل مجد الحياة السياسية من أقصر الطرق، وقد وصف السوفسطائيون بأنهم كانوا يعلمون الفضيلة، ولكن يجب أن نشير إلى أن كلمة الفضيلة في ذلك الحين لم يقصد بها المعنى الأخلاقي الذي تدل عليه الآن، بل عبر بها اليونان عن مقدرة الشخص على أداء وظيفته في الدولة بكفاية ونجاح، ففضيلة الطبيب معالجة المرضى، وفضيلة الرائض تدريب الخيول، ولما كان السوفسطائيون يدربون الشباب ليجعلوا منهم مواطنين صالحين للظروف السياسية التي تحيط بهم، فهم معلمو فضيلة بهذا المعنى.
وأقدم السوفسطائيين عهدا هو بروتاجوراس الذي ولد في أبديرا حوالي سنة 480ق.م، وأخذ يتجول في أنحاء اليونان حتى استقر في أثينا ولبث بها شطرا من حياته غير قصير، وأخرج كتابا في الآلهة استهله بهذه العبارة: «أما الآلهة فلا أستطيع أن أجزم بوجودهم أو عدم وجودهم، ولا أن أتصور أشكالهم، وهناك من العوائق الكثيرة ما يحول دون الوصول إلى المعرفة الصحيحة، منها غموض الموضوع وقصر حياة الإنسان.» ولكن لم يظهر الكتاب في الناس حتى رمي بالإلحاد، وأحرق الكتاب علنا، وفر بروتاجوارس هاربا من أثينا وقصد إلى صقلية، ولكن السفينة ارتطمت به في الطريق فغرق حوالي سنة 410ق.م.
أما المحور الذي دارت حوله فلسفة بروتاجوراس بل فلسفة السوفسطائيين جميعا، فهو عبارته المشهورة: «الإنسان مقياس كل شيء.» وكانت هذه الجملة تمثل ميول الناس في ذلك العصر وهي أساس تعاليمهم كلها، وها نحن أولاء نتناولها بالشرح والتعليق:
كان الفلاسفة قبل السوفسطائيين يفرقون بين الحس والعقل، ويفرقون بين ما يدرك بالحس وما يدرك بالعقل، ويرون أن الحقيقة تدرك بالعقل لا بالحس، وممن ذهب إلى هذا الفلاسفة الإيليون، فقالوا: إن الحق يدرك بالعقل، أما الحواس فغاشة خداعة، وكان هؤلاء الذين يرون التفريق بين الحس والعقل يقولون إن حس كل إنسان خاص به، أما العقل فقدر مشترك عام، ومن أجل هذا لا يستطيع الإنسان أن ينقل إحساسه إلى إحساس غيره، فأعمى اللون الذي لا يدرك اللون الأحمر مثلا لا يمكنك أن تنقل إحساسك باللون الأحمر إليه، ولكن يمكن أن تنقل فهمك لشيء إلى شخص آخر، كذلك إذا عرض مثلثان على جماعة من الناس فقد يراهما شخص متساويين، وقد يراهما الآخر مختلفين، ولا سبيل من طريق الحس لتفاهمهما، ولكن يمكن أن يقام البرهان العقلي على تساويهما، فإحساسي خاص بي لا يشاركني فيه غيري، أما عقلي فعام، أعني أن فيه قدرا مشتركا بيني وبين الكائنات العاقلة.
Page inconnue