Histoire de la philosophie grecque
قصة الفلسفة اليونانية
Genres
كانت الجمعية الفيثاغورية ذات نزعة صوفية غامضة، وهذا ما جعل الناس يحوكون حولها الأساطير، كما كانت لهم نزعة علمية وفنية تستحق التقدير، فرقوا الصناعات والفنون والرياضة البدنية، والموسيقى، والطب، والعلوم الرياضية، حتى رووا أن فيثاغورس ابتكر 47 نظرية من نظريات أوقليدس
Euclid ، وحتى يرى بعضهم أن الجزء الأول من كتاب أوقليدس من ابتكار فيثاغورس.
اتصلت تلك الطائفة الفيثاغورية بمذهب ينتمي إلى شاعر قديم يدعى أورفيوس
Orpheus ، قيل فيما روي عنه من الأساطير أنه استطاع أن يحرك الجماد بقوة أشعاره وسحر غنائه، فاستمدوا منه كثيرا من الموسيقى وأصولها، كما أخذوا عنه القول بتناسخ الأرواح من بدن إلى بدن، ومن إنسان إلى إنسان أو حيوان، ثم اقتفوا أثره في حياة الزهد والتقشف وضرورة تطهير النفس وخلاصها مما يدنسها من آثار الجسم، ولكن الفيثاغوريين سلكوا إلى طهار النفس سبيلا قد تبدو عجيبة أول أمرها، وقد يظهر عليها أنها لا يربطها بالغرض الذي يرمون إليه علاقة أو صلة، ولكنها في الواقع سبيل مؤدية إلى الغاية المقصودة، فقد رأوا أن تطهير النفس من أدران الجسد لا تكون إلا بالتفكير في الفلسفة والعلوم؛ لأنهما مظهران للنشاط العقلي والروحي ، كما أن تعشقهما يؤدي إلى إهمال الجسد ولذائذه ... ومن هنا أخذت تصطبغ تلك الجمعية الدينية الخلقية بالصبغة الفلسفية، واستحقوا من أجلها أن يكونوا فصولا في تاريخ الفلسفة، وينتجوا رأيا في مادة الكون، هو في الواقع استمرار لما سبقهم من الآراء، ولكنه مع ذلك خطوة خطتها الفلسفة إلى الأمام؛ إذ نلمح فيه انتقالا من المادية اليونية إلى محاولة التفكير المجرد الذي لا يقوم على الحس والمادة.
ويجب أن ننبه هنا إلى شيء هام، وهو أنا إذا قلنا الفلسفة الفيثاغورية فليس معنى ذلك أن كل ما فيها من آراء قال بها فيثاغورس نفسه، وإنما قالت بها جمعيته؛ إذ لم يتسن العلم بما كان من فيثاغورس نفسه وما كان من تلاميذه.
قال الفيثاغوريون: «إن سبيل معرفة الأشياء أوصافها.» ولكن أكثر الأوصاف ليست عامة في الأشياء، فهذه ورقة خضراء، ولكن ليس كل الورق أخضر، بل بعض الأشياء لا لون له، وهذا الشيء حلو، ولكن ليس كل شيء حلوا، وهكذا الشأن في المشمومات والمسموعات والمرئيات وغيرها، إنما هناك صفة واحدة عامة في كل شيء هو العدد، فكل شيء جسماني أو غير جسماني له صفة العدد، وبعبارة أخرى: «لا يمتاز شيء عن شيء إلا بالعدد، فالعدد هو جوهر الوجود وحقيقته.» هكذا ارتأى الفيثاغوريون، ولهم في ذلك منطق مستقيم إلى حد ما؛ لأنك إن أنعمت النظر في الأشياء جميعا وجدتها تتميز عن بعضها بصفات معينة: فللوردة مثلا خواص تعرف بها، وللنار خواص بعينها وهكذا قل في كل شيء، ولكن تلك الصفات أعراض قد تكون وقد لا تكون، أي إنك تستطيع أن تتخيل في غير عسير كونا يخلو من اللون والطعم والرائحة، ولكن ثمت حقيقة لا يمكن أن نتخيل الأشياء بدونها، وهي العدد، خذ مثلا عشر برتقالات، فلا يشق عليك أن تتصور لونها أحمر أو أخضر أو بلا لون، ولا يشق عليك أن تتصورها حلوة أو مرة أو ملحة أو بلا طعم، وإذن فهذه الصفات ليست جوهرا يدوم ما دامت البرتقالات، ولكنه يستحيل عليك أن تتصورها غير قابلة للعدد؛ وعلى ذلك تكون قابلية العدد صفة لازمة لا تزول إلا بزوال الأشياء نفسها.
فكر في كل شيء تر العدد له أساسا، فنسبة الأشياء بعضها إلى بعض عبارة عن عدد، فإن قلت إن هذه الشجرة أطول من تلك كان معنى ذلك أن الوحدات الطولية في الشجرة الأولى أكثر عددا من وحدات الشجرة الثانية، وهذا النظام الذي يشمل الكون هو في حقيقته عدد أيضا؛ لأنك حين تقول إن صفوف الجند مرتبة منظمة، فإنما تعني قولك إن الجنود على أبعاد متساوية، يفصل كل جندي عن الآخر عدد من الوحدات القياسية مساو للذي يليه وهكذا، ثم استمع إلى نغمات الموسيقى وفكر في أمرها تجدها عددا كذلك؛ لأنها ليست في الواقع إلا موجات صوتية واهتزازات وترية تقاس بوحدات معروفة في علم الصوت، ويقارن بعضها ببعض بعدد تلك الوحدات.
لم تتردد المدرسة الفيثاغورية بعد ذلك في اعتبار العدد أساسا للكون وأصلا لمادته، فكل ما تقع عليه عيناك مركب من أعداد، أي إن العدد هنا كالماء عند طاليس والهواء عند أنكسمينس، فهذه الأرض وذلك القمر والهواء والماء والقلم والمحبرة وما إليها مصنوعة من أعداد، ولعل ما دفع الفيثاغوريين إلى هذا الرأي العجيب خلطهم بين وحدة الحاسب ووحدة الهندسة واعتبارهما شيئا واحدا، فنحن اليوم نفرق بين الواحد الحسابي الذي هو وحدة العدد والنقطة التي هي وحدة الهندسة، فالمائة من الكتب مثلا مكونة من آحاد ولكل واحد منها وجود حقيقي، أما الخط المستقيم فمكون من نقط وليس للنقطة وجود حقيقي، بل هي مفروضة فقط، ولكن الفيثاغوريين ظنوا أولا أن الواحد والنقطة شيء واحد، ثم رتبوا على ذلك الظن كل هذه النتائج الغريبة،
2
فبناء على نظريتهم هذه يكون الخط المستقيم مكونا من نقط معلوم عددها (كما أن العدد مكون من آحاد معلوم عددها)، ولما كان السطح عبارة عن خطوط مستقيمة متجاورة، والحجم عبارة عن سطوح متلاصقة، إذن فكل كتلة مادية ذات حجم هي عبارة عن مجموعة من النقط يمكن حسابها، وبعبارة أخرى هي مجموعة من الآحاد، أي إنها مركبة من الأعداد.
Page inconnue