Histoire de la philosophie moderne

Zaki Najib Mahmud d. 1414 AH
79

Histoire de la philosophie moderne

قصة الفلسفة الحديثة

Genres

لقد رأيت فيما مضى كيف استنبط «فخته» من «علم المعرفة» الأساس الذي يجب أن تقوم عليه علاقة الفرد بغيره من الأفراد، وها نحن أولاء نجمل لك كيف اشتق من «علم المعرفة» نظريته في الأخلاق، فلقد مر ما ذهب إليه «فخته» من أن جوهر الذات نشاط وفاعلية، أعني أن أساس وجودها جهاد في سبيل الحرية مما فرضته على نفسها من أغلال. ولقد ذكرنا كذلك أن الذات بغير هذه المقاومة والمعارضة التي تضعها هي في سبيل نفسها تفقد نفسها في اللانهاية، وتظل بغير وعي وإدراك، وأنها تستخدم إرادتها للتغلب على ما يعترضها من مقاومة؛ لأن وجود المقاومة معناه انتقاص من حريتها، فهي تواصل سعيها لتقرر نفسها وتظفر بالحرية الكاملة. والذات ككائن شهواني (أعني الإنسان) يميل إلى اللذات الجسدية والرغبات المادية، فإن المقاومة التي يقابلها الكائن العاقل في مثل هذه الحالة هي غرائزه الدنيا وشهواته الطبيعية التي تغريه بإشباع لذته وشهوته دون أن تستحثه إلى الحرية، ولذا كان في الإنسان مجموعتان من الدوافع: دوافع خالصة وأخرى طبيعية؛ فالأولى تميل إلى تحقيق وجوده، والثانية تنزع إلى إشباع لذته، وقد يبدو لك أن هذين الضربين من الدوافع متعارضان، ولكنك لو علوت بنظرك فنظرت إليهما من وجهة أسمى لألفيتهما شيئا واحدا، فلا بد من الرغبات الدنيا والميول الشهوانية إلى جانب الدوافع العليا،؛ إذ الحياة الأخلاقية حياة ترق ونمو، فهي تتكون من الصعود التدريجي حتى يبلغ الإنسان مرتبة يتخلص فيها من شهوته، ويتحرر من غرائزه المادية، ولكن ما دامت الذات نهائية فيستحيل عليها تلك الحرية المنشودة، ومن هنا كان الغرض الذي يقصد إليه الكائن العاقل لا يتحقق إلا في اللانهاية، وهي غاية مستحيلة التحقيق، ولذلك كان كل مجهوده أن يقترب منه بقدر المستطاع (لا تنقطع عن أداء واجبك) هذا هو القانون الأخلاقي في أوجز عبارة، فيجب على الإنسان أن يؤدي واجبه من أجل الواجب في ذاته، وألا ينساق لغرائزه وشهواته، فلكي تكون فاضلا لا تنتظر قانونا يفرض عليك من الخارج لتطبيقه، بل اتبع قانون وجودك الداخلي الذي يريدك على أن تؤدي واجبك كإنسان.

هكذا كان قانون الأخلاق عند «فخته» هو الآمر الوحيد الذي لا ينبغي أن يتحكم سواه في تصرفات الإنسان، وبهذا أصبح الدين عنده ثانويا، كما أنه لم يفسح في فلسفته مجالا لإله، إذ القانون الأخلاقي الذي يسير العالم بمقتضاه هو القدسية الوحيدة التي يحق الإيمان بها، أما الفكرة القائلة بوجود إله مستقل عنا وعن العالم الخارجي فيعتبرها «فخته» باطلة متناقضة مع القانون الأخلاقي الذي أخذ به، وهو نظام أخلاقي لا تكتسب الحياة وجودها إلا بوجوده، بل الحياة بأسرها هي عبارة عن وجوده، فليس لله وجود إلا في إدراكنا له، ونحن إنما نتجه صوب الله، بل إننا لنحيا حياة الإله إلى حد ما بما نبذله من مجهود في أداء الواجب، وفي تحقيقنا للخير والحق والجمال. فالدين الصحيح هو تحقيق الحق (أي الذات).

ولكن «فخته» عاد فاتجه إلى النزعة المسيحية في النظر إلى الحياة في كتبه الأخيرة. وبخاصة في كتابه «الطريق إلى حياة النعيم»، فهو يقول في تعريف الذات المطلقة بأنها إرادة الكون الأخلاقية، وهي تحتوي كل الذوات الفردية، والله - من تلك الذات المطلقة - حياتها، وهو يدرك نفسه بالتعبير عن نفسه في الأفراد ... ثم أخذ «فخته» يستبدل في أخريات أيامه بصرامة القانون الأخلاقي الرقة والعطف والحب التي ينادي بها الدين، وأصبحت المسيحية في رأيه، كما تتمثل في المسيح ، هي صورة الحقيقة السامية، وغرض الإنسان الأعلى هو أن ينمحي في الله بتفانيه وإنكاره لذاته. (3) المثالية الموضوعية

Objective Idealism (3-1) شلنج

Shelling

كانت فلسفة «فخته» طريقة شائقة جذابة، فتدفقت إليه جموع زاخرة تنصت إلى محاضراته التي ألقاها في يينا وفي برلين، ولكن فلسفته رغم ذلك كله لم تظفر آخر الأمر إلا بنفر قليل من المؤيدين والأشياع، إذ كانت مثاليته التي أخذ بها ودعا إليها مسرفة في النزعة الذاتية، مغالية في حصر وجهة نظره في جانب واحد من جوانب الحقيقة، فعجز عن إشباع ما تتوق إليه الفلسفة من شمول النظر الذي لا يدع شيئا مما تأتينا به التجربة إلا تناوله بالشرح والتعليل. أما أن يذهب «فخته» إلى أن العالم لم يوجد إلا لكي يكون ميدانا لرياضة الذات، وأن الحياة كلها ليست إلا سلسلة من العوائق التي فرضها الإنسان على نفسه؛ لكي يثبت وجوده وقوته بهزيمتها، ففي ذلك ما فيه من تناقض وقصور. نعم إن «فخته» استطاع أن يحل إشكال «الشيء في ذاته» الذي كان زعم وجوده نقصا في فلسفة «كانت»، ولكنه فعل ذلك على حساب الحقيقة كلها. فإن كانت الذات كما يقول «فخته» عاجزة عن إدراك نفسها إلا عن طريق اللاذات، مع أن اللاذات ليست في واقع الأمر إلا ثمرة من ثمار الذات ونتيجة لفاعليتها، إذن فلا مراء في أن الذات معتمدة في وجودها على اللاذات، فإذا أثبت الأولى وجب عليك أن تثبت الثانية أيضا، ولو أنكرت الأولى كان لزاما أن تنكر معها الثانية؛ لأنه إذا انمحت اللاذات لكان حتما أن تنمحي كذلك الذات من صفة الوجود.

حقا لقد تطرف «فخته» وغالى في تطرفه، حتى وقع في الخطأ والتناقض، فلو كانت اللاذات عدما كما ظن لما كان له من بد كما قال «هجل» يخاطبه: «من أن يسلم بأن الذات عدم كذلك، إذ إنها لا تستطيع الوجود إلا إذا قيدتها اللاذات.» وهكذا انتهت مثالية «فخته» في حقيقة أمرها كما قال «جاكوبي

Jacobi » إلى عدمية؛ فهو في محاولته أن يجعل الطبيعة حالة سلبية فقط، أي شيئا ذهنيا خلقته الذات، وأن يعظم من شأن الذات إلى جانب ذلك فيجعلها هي الحقيقة وحدها، قد عمل - وهو لا يدري - على تحويل تلك الذات التي أراد الإكبار من شأنها إلى طيف خافت وشبح ضئيل.

لهذا نشأت الحاجة إلى فلسفة «شلنج» التي جاءت فكملت مثالية «فخته» الناقصة؛ لأن الطبيعة لا يرضيها من غير شك أن تعد جزءا من اللاذات وكفى، وهي إنما تطلب ما يبرر وجودها من حيث هي عنصر كالفكر سواء بسواء. هذا الإهمال من «فخته» للطبيعة وحصرها في أضيق حيز هو الذي دعا «شلنج» إلى القول بأن العقل يستطيع أن يجد نفسه في الطبيعة كما يجدها في الذات تماما. ألم يقل «فخته» إن المعرفة وحدها هي التي تتمتع بالوجود دون الأشياء نفسها، وإن كل ما نحن مدركوه هو تفكيرنا ليس إلا؟ فقال «شلنج» إنه لو كانت هناك معرفة لوجب حتما أن يكون ثمة شيء يعرف، أو بعبارة أخرى، إذا سلمنا بوجود المعرفة للزم أن نسلم بوجود الكون. وعلى ذلك فهو يتناول مبدأ «فخته» القائل: «إن الذات هي كل شيء.» فيحوره لكي يلائم وجهة نظره فيجعله «كل شيء هو الذات.» وهو يريد بهذه العبارة أن عنصرا بعينه يتجلى في العالمين: الطبيعي والروحي على السواء، «فالطبيعة عقل منظور، والعقل طبيعة مختفية.»

ولد فردريك ولهلم شلنج

Page inconnue