Histoire de la philosophie moderne
قصة الفلسفة الحديثة
Genres
ولقد تنازع هذان المذهبان وتصارعا، وكانت الحرب بينهما سجالا، فانتصرت الواقعية المتأثرة بأفلاطون في الصدر الأول من العصر المدرسي، وانتصرت الاسمية المتأثرة بأرسطو في العصر الثاني. (3) العصر المدرسي الأفلاطوني
كان للفلسفة الأفلاطونية السيطرة والسيادة في الشطر الأول من العصور الوسطى، فهي الينبوع الذي كان يستقي منه المفكرون آراءهم، والأساس الذي يقيمون عليه مذاهبهم، وإن كانت دائرة الفكر إذ ذاك محصورة ضيقة لا تنتج إلا أتفه الثمرات، ولكن دولتين من الدول الأوروبية قد امتازتا بعض الشيء في ذلك العهد المظلم العقيم، هما إيطاليا وإنجلترا، فنبغ فيهما أعلام ذاع صيتهم في الناس ودوت بذكرهم الجامعات. (1) وأول هؤلاء جون سكوتس إريجينا
John Scotus Erigena
الذي ولد في إيرلندة سنة 800م ومات سنة 870م، وقد بلغ من نباهة ذكره أن دعاه شارل الجسور، وعهد إليه أن يتولى مدرسة باريس، وهاك صورة مختصرة من فلسفته. (3-1) فكرة الله
يعتقد إريجينا أن الله هو بدء الأشياء ونهايتها، وأنه روح خالصة مجردة لا تحدها حدود، ولا تميزها صفات، وقد اتخذ الله هذا العالم وسيلة يبدو بها ويعرف. أما ما ترى في الكون من قوة وضوء وعقل إلى آخر ما يحوي الوجود بين دفتيه من أشياء، فقد انبثق من الله انبثاقا، ولا بد أن ينتهي المسير بهذه المخلوقات كليا إلى حد تبلغ عنده الغاية المنشودة، فتعود إلى الاتحاد بالله من جديد. وينزع إريجينا في كتابه «تقسيم الطبيعة» نزعة قوية إلى وحدة الوجود، فيقرر في غير لبس أن الله ومخلوقاته ، وهذا العالم الذي هو وسيلة ظهوره كل أولئك شيء واحد، وأن كل محاولة لفصل الله عن مخلوقاته باطلة، إلا أن تكون على سبيل المجاز.
يعتقد سكوتس أن الكلي
universal (وهو عبارة عن) فكرة الجنس هو الحقيقة الأساسية الأولى التي أوجدت نفسها بنفسها، ثم نشأ عنها الجزئيات (الأنواع ثم الأفراد)، فالكليات هي عناصر الوجود الأصلية، وهي على ذلك أسبق في الوجود من الأشياء الجزئية المادية. ويقول هذا الفيلسوف إنه كلما كان الشيء أكثر شمولا كان أمعن في حقيقة وجوده، ولما كانت فكرة الله أوسع الكليات شمولا كان هو أسمى الكائنات، ومنه نشأت المخلوقات كلها، وليست المخلوقات على اختلاف ألوانها إلا صورا يتمثل فيها الله، فهي له كالنماذج الجزئية أو الأمثلة بالنسبة إلى الجنس، فكما أن زيدا وعمرا وخالدا أمثلة لفكرة الإنسان لا أكثر، كذلك الأشياء كلها التي في الكون ليست إلا أمثلة لفكرة الله، فكل الأشياء التي في الكون وسائل اتخذها الله لظهوره، وهذا الكون هو الله إذا نظرت إليه كوحدة خالقة، وهو العالم إذا نظرت إليه من ناحية أشياء متعددة مخلوقة.
وكشف الله عن نفسه إنما يتم على درجات متتابعة: فمن الله ينبثق أولا العالم العقلي، وهو الجانب من الكون الذي يخلق، وله في الوقت نفسه مقدرة الخلق. ونعني به الكليات، ومنها ينشأ عالم الظواهر الحسية، وهي أحط أنواع الحقيقة لقلة ما يتحقق فيها من صفات كلية. (3-2) نظرية المعرفة
يسلك «سكوتس» في نظرية المعرفة نفس الطريق التي سلكها في شرح الخلق بانبثاق الأشياء من الله، ثم عودتها إليه مرة ثانية، فيرى أن المعرفة يجب أن تبتدئ من أعلى إلى أسفل، فتبتدئ بالكليات إلى أن تصل إلى الأشياء الحسية، ثم تعود فتعلو صاعدة حتى تبلغ أوجها في معرفة الله، فإذا ما بلغت الروح تلك المرتبة السامية الرفيعة استطاعت بالتأمل أن تتحد بالله، وهي غاية تستعصي على الحواس والعقل جميعا، ولا تتاح إلا بالتأمل وحده، وقد تستطيع الروح باتحادها بالله أن تعرف نفسها معرفة عميقة، ولكنه يستحيل عليها أن تدرك كنهها إدراكا تاما كاملا وهي على قيد الحياة. ويذهب «سكوتس» إلى أن الفلسفة الحقة والدين الحق شيء واحد؛ لأن العقيدة مرحلة من مراحل الحياة العقلية. (2) ننتقل الآن إلى علم من أعلام ذلك العهد المتأثر بفلسفة أفلاطون وهو أنسلم
Anselm
Page inconnue