Histoire de la philosophie moderne
قصة الفلسفة الحديثة
Genres
كانت لتعاليم أفلاطون في الشطر الأول من العهد المدرسي الغلبة والذيوع - كما رأينا - فلما أقبل القرن الثالث عشر أخذت ترجح الفلسفة الأرسططاليسية - فلسفة المشائين - وبدأت تغزو المدارس والجامعات. ولم يكن الانحراف في مجرى الفكر حادثا عرضيا ساقته المصادفة، ولكنه كان نتيجة مباشرة لنهضة فلسفية واسعة قام بها المسلمون، فقدموا للغرب ترجمة ما كتب أرسطو، وكان مجهولا لا يعرف عنه تقريبا إلا كتابه في المنطق، فلم تكد تدرس تعاليم هذا الفيلسوف بما كتب عليها فلاسفة العرب من شروح، حتى اتجه إليها العقل، وأحلها المنزلة الأولى، وأصبح أرسططاليس عندهم يعرف باسم «الفيلسوف».
1 (1) وقد كان إسكندر هيلز
Alexander of Hales
الذي نشأ في دير بإنجلترا، والذي تلقى دروسه في جامعتي أكسفورد وباريس، أول من عرف كتب أرسطو من رجال أوروبا. عرفها قبل أن يظفر بها فردريك الثاني، ويعمل على ترجمتها إلى اللاتينية. وقد قوبلت هذه التآليف أول الأمر من الكنيسة بالحذر والارتياب، ولكن البابا جريجوري التاسع لم يلبث أن أباح لرجال الدين دراستها واستخدامها، ومنذ ذلك العهد ذاعت كتب «الفيلسوف»، واشتد الميل إلى قراءتها، فكانت موضوع البحث والدرس في كل الجامعات الأوروبية. (2) أصبح إذن لأرسطو أشياع وتلاميذ كثيرون، كان أشهرهم اسما وأبعدهم مقدرة ألبرت الكبير
Albertus Magnus (1193-1280م)، وله مؤلفات كثيرة معظمها تعليق على آراء «المعلم». وقد كان ألبرت يعلم حق العلم أن هناك فرقا بين الفلسفة التي اهتدى إليها العقل والدين الذي أتى به الإلهام، ولكنه حاول ما استطاع أن يقرب مسافة الخلف بين الطرفين، ورغم أن كل ما تقوم به الفلسفة صحيح في رأي الدين كذلك، ولكنه اعترف أن بعض عقائد الدين لا يمكن إثباتها بالعقل كالتثليث والتجسيد وما إليهما، وهو لا يتردد في أن يجعل القول الفصل فيما يصادف الإنسان من إشكال أو تناقض، للعقيدة الملهمة دون العقل، فعنده أن الوحي أسمى منزلة من العقل، ولكنه لا يناقضه. (3) وقد شايعه في هذا التفريق بين العقل والإلهام وما يأتيان به من حقائق تلميذه الخالد توماس أكويناس
Thomas Aquinas (1226-1274م) الذي لم يأل جهدا في أن يتخذ من فلسفة أرسطو دعامة تؤيد العقيدة المسيحية.
ليست الفلسفة واللاهوت نقيضين، ولكنهما في حقيقة الأمر خطوتين متتابعتين تكمل إحداهما الأخرى في تحصيل المعرفة؛ فإن الإنسان يبدأ في تحصيلها باستخدام ملكاته العقلية، ثم يتناول هذا الذي حصل فيمحصه بالعقيدة والإلهام، حتى يبلغ به درجة بعيدة من الكمال واليقين. فليس للإنسان محيص عن الوحي يكمل به قواه الطبيعية الناقصة العاجزة بذاتها عن الوصول إلى الحقائق العليا.
توماس أكويناس.
يرى أكويناس أن الإنسان قد استقى علمه عن العالم من مصدرين: هما العقل والوحي، أما إنتاج العقل فقد بلغ الذروة في مؤلفات أرسطو، ثم جاء الكتاب المقدس بوحي من الله عن الموضوعات التي استعصت على عقول البشر، وحسب الإنسان أن يقرأ ما كتبه أرسطو وما هو مسطور في الكتب المقدسة ليعلم كل ما هو جدير بالمعرفة.
كان أكويناس مؤمنا بكل تعاليم الكنيسة، وكل ما قصد إليه من أبحاثه أن يجد أساسا عقليا لعقائده، وبعبارة أخرى كانت مهمته أن يبين العلاقة بين الوحي والعلم، أو بين الوحي والعقيدة، فكان موقفه في النصرانية موقف الغزالي في الإسلام، وقد ذهب إلى أن العقل والعقيدة يرميان إلى غرض واحد، غير أن كلا منهما يسلك طريقا خاصة به، فشأن العلم دراسة ظواهر الكون مستعينا بما يستمده من حواسه، أعني أنه يعتمد في تحصيل العلم على التجربة الحسية، وعن هذا الطريق - طريق الحواس - يستطيع الإنسان أن يصل إلى معرفة الله وخيره وإرادته وقوته، ولكنه بعد معرفة محدودة، ولا بد لها من وحي يكملها، فبالوحي يعلم الإنسان ما هو فوق تلك المعرفة التي جاءته من العالم المحسوس، وعلى الوحي تقوم العقيدة التي يجب التسليم بها كما ينبغي أن نسلم بما يثبته العقل. وإذن فليس العقل والعقيدة ضدين، بل يستحيل أن يكونا كذلك؛ لأن رب الطبيعة هو نفسه رب الوحي وكل ما هنالك من فرق أن العقل وسيلة معرفة الجانب المادي، وأما الوحي فيعيننا على إدراك الله، باعتباره كائنا روحيا، فالعقل والعقيدة ضروريان للإنسان لتتم معرفته وتكمل. غير أن أكويناس يضع العقل في المرتبة الثانية من العقيدة؛ لأنها تسمو على العقل وتفوقه من أجل أنها تدرك المعرفة الروحية التي يعجز العقل عن الوصول إليها عجزا تاما.
Page inconnue