أما أنا فأطرقت مفكرا ثم لاح لي جواب زعمت أنه فصل الخطاب، فقلت له: إنك إذن مزيف نقود، فلما سمع مني ذلك انتفض كعصفور بلله القطر ولاح الغضب في عينيه، ولبث برهة صامتا جامدا لا يبدي حراكا ثم أخذت السكينة تعود إليه، وكست وجهه علامات السرور، وقال: هل لك شيء آخر تسأل عنه؟
فافتكرت وبدا لي سؤال جديد سألته إياه قائلا: كيف تصنع النقود؟ - سؤالك هذا معقول، والإجابة عليه في غاية السهولة: إني أنشأت كثيرا من الخطوط الحديدية التي تخترق البلاد عرضا وطولا، ولي معامل لا تحصى يعمل فيها ألوف العمال، فالمعامل تصنع البضائع، والسكك الحديدية تنقلها إلى البلاد وتطرحها في الأسواق، وبذلك تنهال علي الأرباح انهيال السيل، ولكن لا تنسى ما أدفعه من الأجور لعمال المعامل حتى لا يقضوا جوعا. - وهل ترى جميع العمال مسرورين من حالتهم، راضين بالأجور التي يتقاضونها؟ - ليس كلهم بالطبع، فإن الإنسان مهما سعى في سبيل إرضاء الناس فلا يستطيع إلى ذلك سبيلا.
ثم سألته: هل الحكومة لا تتداخل في شئونكم، ولا تعطل سير أعمالكم؟
فقال معيدا ما قلت - الحكومة - وأطرق مليا ثم أبرقت أسرته كأنه توصل إلى حل معمى، أظنك تريد أولئك الرجال المقيمين في واشنطون، كلا، كلا إنهم لا يصادروننا في أعمالنا مطلقا، ولا يتداخلون فيها أقل مداخلة، وأعرف بينهم أشخاصا من أهالي جهتنا هذه، ولكن لا أجتمع بهم إلا نادرا؛ ولذلك فلا تعجب إذا قلت لك: إنهم لا يخطرون على بالي أو أني أنسى ذكرهم وأسماءهم؛ وبوجه الإجمال فإن رجال حكومتنا قوم أخيار لا يصادروننا أقل مصادرة، ولكني أريد أن أسألك: هل توجد في العالم حكومة تحظر على رعاياها صنع النقود وتصادرهم في ذلك؟
فأجبته وأنا معجب بحكمته آسف على فضولي قائلا: زعمت أنه توجد حكومات تصادر النهب العلني، وتسعى إلى منعه بالضرب على أيدي النهابين السلابين الذين يستحلون أتعاب غيرهم.
فقال مغضبا: إن هذا لا يفرق بعرفي في شيء عن الفوضوية التي ليس لها أثر في بلادنا، وحكومتنا لا تتداخل مطلقا في الشئون العامة، وفوق ذلك فإن قوانين البلاد لا تبيح لها ذلك مطلقا.
فقلت له: إنك إذن تعتقد بأنه إذا ابتز رجل واحد دماء وأموال ألوف من الرجال والناس لا يعتبر عمله هذا من الشئون العامة التي يجب على الحكومة المداخلة في شأنها لإيقاف جشع ذلك الرجل وكف مطامعه، بل وعقابه على فعله، أوما سمعت قول فيكتور هوجو الشاعر الفرنسي القائل:
1
قتل امرئ في غابة
جريمة لا تغتفر
Page inconnue