فسألت أختي: «أنت فيليمونا»؟ - نعم أنا ... أتيت لأجل ... - من الأفضل أن تمري غدا أو على الأصح بعد غد، لا غدا، فأخي ...
وقلت لأختي: اتركيها ما دامت قد جاءت ... اتركيها تدخل؛ فالنوم سيهرب مني على أية حال حتى الصباح، وهو يفعل ذلك منذ سنوات.
وقالت فيليمونا: «لا بد أنهم قد سحروا لك حتى لا تجد راحة.» - هذا ممكن. - على أية حال لست أنا - أؤكد لك - التي سحرت لك.
ووضعت عصاي في ركن، وخلعت غطاء رأسي ومعطفي، وجلست على حافة السرير، والحجرة دافئة مضاءة، وجلست فيليمونا فوق مقعد، وهي تلبس في قدميها حذاء حربيا باليا، وترتدي ثوبا أسود، وتغطي رأسها وكتفيها بشال أسود أيضا، وأخذت أختي تنظر إليها شزرا، ولولا خوفها من أن تغضبني لطلبت إليها أن تذهب، وقال لي فيليمونا: «لو أنه كان فيما مضى في البيت نور لاستطعت أن تقرأ طوال الليل، كما كنت تفعل في الليالي المقمرة.» - هذا حق، لقد كنت أقرأ في ضوء القمر، وكانت عيناي قويتين عندئذ. - والآن لم تعودا قويتين؟ - لا، لم تعد لي عيناي قويتان، وأضطر أحيانا إلى استخدام النظارة.
ومر قطار فهز البيت هزا عنيفا، وارتجفت ألواح الزجاج بعض الوقت، وقالت أختي: «سأذهب لإعداد الطعام، وسيعود زوجي من العمل بين لحظة وأخرى.»
وبقيت وحدي مع فيليمونا، وبصري يجذبه الحذاء الذي تلبسه. - أنت تنظر إلى حذائي؟ إنني ألبسه أثناء الشتاء، وقد كان حذاء ابني الأصغر، ابني فلوريكيل، ولست أنا التي دفنت الولدين الآخرين، فأحدهما مات في مكان ما بروسيا، وسقط الآخر في المجر، وأما فلوريكيل فقد حملوا إلي جذعه فقط، أو على الأصح لم يحملوه، بل طلبوا مني الذهاب إلى تورنو، حيث توجد المستشفى، وهناك رأيته وأخذته، وقد ذهبت لإحضاره في عربتنا التي تجرها الثيران، وملأت العربة بالشوفان وسرت في الطريق، وعند المستشفى حللت الثيران من العربة ودخلت، وكان هناك فناء كبير في المستشفى، وفي ذلك الفناء مقاعد تحت أشجار الطلح، وعلى هذه المقاعد جنود في النقاهة خرجوا إلى الشمس كالحشرات. - عمن تبحثين أيتها الأم الصغيرة؟ - عن ابني الأصغر العسكري. - ما اسمه أيتها الأم؟ - فوريكل لازو. - آه ... لازو؟ ... اذهبي إلى الصالة الكبيرة. - وأي طريق أسلك إليها؟ - انظري أيتها الأم الصغيرة، سأصحبك إليها. «وعندئذ ترك هذا الجندي مقعده واصطحبني متعثرا إلى الصالة الكبرى.» - ادخلي هنا وستجدينه بسرعة.
لقد وجدته شاحبا كالشمع ممدا على الفراش: - هل أنت في حالة طيبة يا بني؟ - طيبة يا ماما.
كان هناك تحت غطاء، وها هو طبيب صغير يصل. - أنت أم لازو؟ - نعم، أنا أمه. - تستطيعين أخذه إلى المنزل ... هل لديك عربة صغيرة أم كبيرة؟ - كبيرة. - حسن جدا ... اذهبي إذن وشدي الثيران إلى العربة وانتظري إلى جوارها ، فسوف نحمله إليك حالا.
وضعت الثيران تحت النير، ووصل ممرض بعد قليل حاملا فلوريكل على ظهره، ومن خلفه رجل آخر يحمل لفافة بها ملابسه، وسأل غلامي: «لقد وضعت أيضا حذائي في اللفة يا أوبريا؟» - لقد وضعته، وكان من الممكن أن تتركه لي فلن تحتاج بعد ذلك إلى حذاء. - أريد أن أتركه لأمي فستلبسه بدلا من أن تسير حافية القدمين في الطين.
وحملت الحذاء إلى بيتنا، وفي المستشفى كانوا قد أعطوه قبقابا من الخشب كان يضغط بيديه عليه ويزحف، أو يقفز كالجرادة، وكنت سعيدة لأن أجده إلى جواري، ولو أنه مبتور الساقين، يا إلهي! يا للإنسان مع ذلك! لقد كان كسيحا، ولكن الشباب هو الشباب، وها هو يصاحب أرملة نييلو زوجة ابني. - إنها خطيئة يا فلوريكيل، إنها زوجة أخيك ولها منه أطفال ثلاثة. - ليست هناك خطيئة ما دام أخي قد مات، ولم يعد في الأمر ما يزعجه. - إن في هذا ما سوف يضحك القرية كلها يا صغيري فلوريكيل.
Page inconnue