فحملوه إلى خارج المدينة وقال الملكان: «انجوا بحياتكم ولا تلتفوا إلى الوراء ولا تمكثوا في هذا السهل، بل فروا إلى الجبال حتى لا تهلكوا».
وكانت الشمس قد طلعت عندما قالا ذلك، ثم دمر الله مدينة سدوم ومدينة عمورة وأمطرهما وابلا من النار والحمم، ورأى لوط ذلك فصاح صيحة الألم وجرى عائدا إلى المدينة.
فعدا وراءه الملكان وصاحا به: «ماذا تفعل؟!».
فقال لوط: «أذهب لكي أساعد أهل سدوم» ثم دخل إلى المدينة وهي تحترق.
مذكرات مكسيم جوركي
أنقل للقراء فيما يلي نموذجا من الأدب الروسي في قطعة مختارة من مذكرات مكسيم جوركي، ويذكر القراء أن هذا الأديب الشهير قد عين في بدء الحركة البولشفية مديرا لإدارة الفنون الجميلة، ثم لم يطق استبداد لنين فاستقال ورحل من روسيا إلى بلاد أوروبا، والقطعة التالية تبين للقارئ ذلك القلق الذهني الذي أصاب أدباء روسيا من تأثير الصدمة التي نالتهم في ذلك الانقلاب الهائل عند انتقال الأمة الروسية من أوتوقراطية القيصر إلى ديمقراطية البولشفيين، أو بالأحرى فوضاهم.
قال جوركي:
تحدثت أمس إلى الشاعر إسكندر بلوك، وقد خرجنا معا من إدارة الآداب فسألني رأيي عن محاضرته التي ألقاها من مدة وكان موضوعها: «تحطم آداب الإنسانيات».
فقد ألقى هذه المحاضرة منذ أيام وقد كانت أشبه بمقالة منها بمحاضرة، وشعرت وأنا أصغي إليه كأن معناها كان غامضا ولكنه كان ذا مغزى سيئ ونذير شؤم. وكان بلوك وهو يقرؤها يذكرني بذلك الطفل في تلك الأسطورة الشهيرة حيث يضل في الغابة فيشعر كأن الجن المردة تقترب منه، وتحدثه نفسه بأن يقول تعويذة قد حفظها لطرد هؤلاء الجن فيدمدم بها وهو خائف مذعور، فكانت أصابعه ترتجف وهو يقبض بها على أوراق المحاضرة.
وتساءلت وأنا أنظر إليه وقتئذ عما إذا كان هو قد سره تحطم هذه الآداب أو أساءه، وهو في النثر قليل الحظ بخلافه هو في الشعر، فأسلوبه جامد ولكنه عميق الشعور يميل إلى الهدم والتدمير، وأقول بعبارة أخرى إن بلوك من رجال «الانحطاط» واعتقادي أن آراء بلوك غير واضحة في ذهنه؛ فكلماته كالأعشاب التي تنبت الأحجار ليس لها جذور عميقة في ذهنه، فهي لا تغور إلى ذلك العمق الذي لو بلغه لتحطم هو أيضا مع ما يسميه «تحطم آداب الإنسانيات».
Page inconnue