إليه، فانصرف إلى سلاّم بن مشكم اليهودي، فأطعمه وسقاه وحادثه بالأخبار، ثم خرج عنه، فأتى أصحابه، فبعث رجالا منهم، فوجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما، فقتلوهما، فخرج النبي ﷺ في طلبهم، واستعمل على المدينة أبا لبابة الأنصاري، وانتهى ﷺ إلى قرقرة الكدر (١)، وفاته أبو سفيان، وقد كان ﷺ أصاب أزوادا كثيرة طرحها أبو سفيان وأصحابه يتخففون عنها، أكثرها السويق، ولذلك سميت غزوة السّويق.
وبعد بدر أيضا: غزا ﷺ بني سليم بالكدر على ثمانية برد من المدينة، فاستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وكان لواؤه ﷺ مع علي ﵁، فغنم النبي ﷺ خمس مائة بعير، قسّم أربع مائة منها على الغانمين، أصاب كل واحد بعيرين، وأخذ النبي ﷺ مائة بعير، وكانت مدة غيبته عن المدينة خمس عشرة ليلة.
وبعد بدر أيضا: كانت غزوة ذي أمرّ (٢)؛ وهي غزوة أنمار بنجد، يريد ﷺ غطفان، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان، وأقام ﷺ بنجد شهرا، ثم رجع من غير قتال، ومنها كانت سرية زيد بن حارثة، وذلك: أن قريشا بعد بدر تجنبوا طريق الشام، وسلكوا طريق العراق، فبعث ﷺ زيد بن حارثة، فلقي أبا سفيان في رفقة يحملون تجارة فيها فضة كثيرة، فغنم زيد ما في العير، وأعجزه الرجال هربا، ففي ذلك قال حسان يعيّر قريشا بأخذهم تلك الطرائق: [من الطويل]
دعوا فلجات الشام قد حال دونها ... جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربّهم ... وأنصاره حقا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج ... فقولا لها: ليس الطريق هنالك (٣)
(١) القرقرة-على وزن حيدرة-: الأرض المطمئنة اللينة، والكدر: تقدم ضبطها بفتح الكاف وضمها وسكون الدال المعجمة.
(٢) ذكر الطبري في «التاريخ» (٢/ ٤٨٧)، وابن الجوزي في «المنتظم» (٢/ ٢٦٠)، والذهبي في «تاريخ الإسلام» (٢/ ١٤٣)، وابن كثير في «البداية والنهاية» (٤/ ٣٧٥) وغيرهم: أنها كانت في السنة الثالثة، والله أعلم.
(٣) الفلجات-جميع فلجة-وهي: العين الجارية والوادي، والجلاد: المجالدة في الحرب، والمخاض-جمع ماخض- وهي: الإبل الحوامل، والأوارك: الإبل التي ترعى شجر الأراك، والغور: المنخفض من الأرض، وعالج: اسم موضع رملي في الصحراء.