Qawa'id al-Ahkam fi Masalih al-Anam

Izz al-Din ibn Abd al-Salam d. 660 AH
13

Qawa'id al-Ahkam fi Masalih al-Anam

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Maison d'édition

مكتبة الكليات الأزهرية

Lieu d'édition

القاهرة

وَالزَّجْرُ وَالْوَعِيدُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا نَظَرَ إلَى اللَّذَّاتِ وَإِلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ نَفَرَ مِنْهَا بِطَبْعِهِ لِرُجْحَانِ مَفَاسِدِهَا، لَكِنَّ الْأَشْقِيَاءَ لَا يَسْتَحْضِرُونَ ذِكْرَ مَفَاسِدِهَا إذَا قَصَدُوهَا، وَلِذَلِكَ يُقْدِمُونَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْعَاقِلَ إذَا ذَكَرَ مَا فِي قُبْلَةٍ مُحَرَّمَةٍ مِنْ التَّعْزِيرِ وَالذَّمِّ الْعَاجِلَيْنِ وَالْعِقَابِ الْآجِلِ، زَجَرَهُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ اطِّلَاعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ حَمَلَهُ أَلَمُ الِاسْتِحْيَاءِ وَالْخَجَلِ عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ وَاجْتِنَابِ لَذَّاتِهَا، وَكَذَلِكَ إذَا فَكَّرَ فِي الْمَصَالِحِ الشَّاقَّةِ مِنْ الْغُمُومِ وَالْآلَامِ دَعَاهُ ذَلِكَ إلَى تَرْكِهَا، فَإِذَا ذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى مَكَارِهِهَا وَمَشَاقِّهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ يَصْبِرُ عَلَى أَلَمِ مَرَارَةِ الدَّوَاءِ، وَأَلَمِ قَلْعِ الْأَضْرَاسِ الْمُتَوَجِّعَةِ وَأَلَمِ قَطْعِ الْأَعْضَاءِ الْمُتَآكِلَةِ؛ لِمَا يَتَوَقَّعُ مِنْ لَذَّاتِ الْعَافِيَةِ وَفَرَحَاتِهَا. وَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ اطِّلَاعَ الرَّبِّ عَلَيْهِ وَنَظَرَهُ إلَيْهِ حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الطَّاعَةِ وَتَحَمُّلِ مَكَارِهِهَا وَمَشَاقِّهَا، وَكَذَلِكَ تَرْكُ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ وَالشَّرَابِ الْهَنِيِّ لِمَا يَتَوَقَّعُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَةِ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَمَا جَعَلَ فِي الطَّاعَاتِ شَيْئًا مِنْ الْمَكَارِهِ وَالْمَشَقَّاتِ، كَمَا فَعَلَ بِالْمَلَائِكَةِ، وَلَمَا جَعَلَ فِي الْمَعَاصِي شَيْئًا مِنْ اللَّذَّاتِ وَالرَّاحَاتِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمَا قَعَدَ أَحَدٌ عَنْ طَاعَةٍ وَلَا أَقْدَمَ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَلَكِنْ سَبَقَ الْقَضَاءُ بِشِدَّةِ الِابْتِلَاءِ، وَلَيْسَ الْمَلَائِكَةُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ، وَلَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَلَا أَلَمَ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَخْلُقْ الْأَوْهَامَ وَلَا الشُّكُوكَ وَلَا التَّخَيُّلَاتِ وَلَا الظُّنُونَ فِي الْعَقَائِدِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، بَلْ خَلَقَ الْعِلْمَ بِالْأَشْيَاءِ مِنْ غَيْرِ تَوَهُّمٍ مُضَلِّلٍ وَلَا شَكٍّ مُتْعِبٍ، وَلَا تَخَيُّلٍ مُجْهِلٍ وَلَا ظَنٍّ مُوهِمٍ، وَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَزُولُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الْجَنَّةِ بِحَيْثُ

1 / 15