ومما لا يكون إلا رويًا الياء والواو اللتان للإضمار، إذا انفتح ما قبلهما، نحو أو واستحيوا ورموا، وياء يخشى ويسعى. وإنما منعهنَّ أنْ يكنَّ وصلًا أنهن لسن على اقبلهن، فلم يشبهنَ المدّات.
فأمّا الياء التي قبلها كسرةٌ، والواو التي قبلها ضمّةُ، نحو ياء اضربي واذهبي، وواو اذهبوا واخرجوا، فيكونان وصلًا لأنهما على ما قبلهما، فأشبهتا حروف المدّ اللاتي يلحقن بالقوافي، وليس لهنَّ أصولٌ في الكلام. وقد تجعل ياء اضربي، وواو اضربوا رويًا، لأنّهما بنيتا مع الكلمة، وجاءتا لمعنى فأشبهتا الواوَ والياء اللتين من الأصل، وأن لم يكونا في قوّتهما.
وأمّا ألف اذهبا واضربا فلا تكون رويًا، لأنَّ الألف قريبة الشبه من الهاء، تبين بها الحركة من أنا إذا وقفت، كما تبين بالهاء في عليّه وأشباه ذلك. فضعفت الألف، ولم نجدها في شيء من الشعر رويًا. وليست مثل ألف بشرى، لأنَّ هذه الألف دخلت على ضرب بعدما بنى للواحد، وثبت في الكلام. فأشبهت ألف رأيت زيدًا. فأما بشرى فلم يثبت منها في الكلام بشر، ثم ألحقت الألف. فألفها قد بنيت معها، وجاءت لمعنى، لأنّها قد بنيت.
وفرق بين الألف في اضربا، والياء في اضربي، والواو في اضربوا، لأنَّ الواو والياء إذا انفتح ما قبلهما لم يكونا إلا رويًا لم يختلفْ في ذلك. وليست هكذا حال الألف.
وقد جعلها قومٌ رويًا، وقالوا: لأنّها بنيت مع الكلمة، والهاء لا تبنى مع الكلمة. وهذا قوّى أنَّ اضربا بناءٌ على حياله، ولم تلحق الألفُ اضرب، كما تلحق الهاء.
وأمّا ياء الإضافة، نحو كتابي ومالي وأشباه ذلك، إذا كانت الياء ساكنةً فقد يجوز أن تكون رويًا، وهو قليلٌ. شبهّوها بياء الأصل وياء اضربي إذا لزمت ما قبلها حتى لا يقدر على فصلها منه. قال الشاعر:
إني امرؤ أحمي ذمارَ اخوتِي
إذا رأوا كريهةً يرمونَ بي
رميكَ بالدَّلوينِ في قعرِ الرَّكي
جعل الياء رويًا، وهذا قليلٌ. وأن لا يكون رويًا أحسنُ. وكذلك قاله الشعراء. لأنّها أضعف من ياء أضربي، لأنَّها تحذف في النداء والندبة، فيقولون: يا غلام اضرب، ويا غلاماه. وأخبرني من أثق به أنّ ناسًا من أهل الحجاز يقولون: هذا غلام، في الوصل وفي الوقف. وأخبرني من سمع من العرب: هذا غلام قد جاءني، في الوصل. فهذه الياء ضعيفة، ليست لها قوة ياء اضربي. ولو لم يكن فيه إلاَّ أنَّ العرب قد قالته كان ذلك كافيًا.
وأما ياء النّسبة فإذا خفّفتْ في الشعرِ وأسكنتْ فإنَّ أكثرهم يجعلها رويًا، لأنَّها خفّفت من متحرك لا يكون إلا رويًا. وهي مع هذا لم يدخلها حذفٌ كما دخل يا غلامي. فهي أقوى. قال الشاعر فجعلها رويًا:
إنَّ عديًا كتبت إلى عدي
وجعلتْ أموالَها في الحطَمي
إرهنْ بنيكَ عندهمْ أرهنْ بَنِي
وهذا جاهليٌ. وقال آخر:
إنِّي لمنْ ينكرني ابن اليثرِبي
قتلتُ علباءَ وهندَ الجملِي
وابنًا لصوحانَ على دين علي
وقد يجوز أن تجعلها رويًا، وتشبّهها بالياء التي دخلت للمدّة، وهي زائدةٌ لم تبن مع الكلمة، كما شبهت ما هو من الأصل بها.
وكلُّ هذه الهاءات والواوات التي ذكرت في هذه الأبواب إذا تحرّكن لم يكن إلاَّ رويًا، ولم يجز أن يكون وصلًا، نحو لن يقضيه، ولن يرميه. والفرق بين ياء غلامي وقفاي وياء النّسبة إذا أسكنت أنّهم إنما أسكنوها اضطرارًا، وياء غلامي فيها لغتان الإسكان والتحريك.
هذا باب
ما لا يكون رويا
اعلم أن الألف، والياء والواو إذا كانتا مدّتين، وكنّ زوائد يتبعن ما قبلهن، ولم يكن لهنَّ أصولٌ في الكلام فإنَّهن لا يكنَّ رويًا أبدًا. نحو قول الشاعر:
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
وقوله:
قد رابَني حفص فحدِّثْ حفصا
وقوله:
لا تشتُمِ الناسَ كما لا تشتمُ
واعلم أنَّ كلّ ياء وواو وألف تحذفُ في الوقف فإنَّها لا تكون رويًا أبدًا. وأنت مخيّر في غرهن، إن شئت جعلته رويًا، وإن شئت وصلا.
نحو قوله:
أقلِّي، اللَّومَ، عاذلَ، والعتابْ ... وقولي إنْ أصبتُ لقد أصابْ
1 / 12