(١) قَالَ الشَّيْخ، الإِمَام، الْعَالم، الْعَامِل، الصَّدْر، الْكَبِير الْكَامِل، الْفَاضِل البارع، الْحَافِظ المتقن، حجَّة الْمُحَقِّقين، ولسان الْمُتَكَلِّمين، قدوة السالكين، بَقِيَّة السّلف الصَّالح: شهَاب الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد ابْن شيخ الْإِسْلَام جمال الدّين أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عبد الْمُنعم بن نعْمَة بن
1 / 107
سُلْطَان بن سرُور الْمَقْدِسِي الْجَعْفَرِي، قدس الله روحه، وَنور ضريحه.
1 / 108
[١] الْحَمد لله حق حَمده، وصلواته على خير خلقه؛ مُحَمَّد وَآله وَصَحبه. حمدًا وَصَلَاة ينجيان كل عبد من عَذَاب ربه.
[٢] وَبعد: فَإِنَّهُ ندبني جمَاعَة إِلَى جمع مُقَدّمَة فِي علم الْمَنَام فأجبتهم إِلَى ذَلِك. ولقبتها ب " الْبَدْر الْمُنِير فِي علم التَّعْبِير ". وجعلتها بلغَة
1 / 109
صفحة فارغة
1 / 110
للمبتدي، وبلاغًا للمنتهي. ينْتَفع بهَا المتعلمون، ويرتفع بهَا المعلمون. جعل الله ذَلِك خَالِصا لوجهه الْكَرِيم، وأنقذنا بفضله من عَذَابه الْأَلِيم.
[٣] اعْلَم وفقنا الله وَإِيَّاك - أَن معرفَة التَّأْوِيل تحْتَاج أَولا إِلَى
1 / 111
معرفَة حَقِيقَة النّوم؛ مَا هُوَ. ثمَّ تعرف تَفْسِير مَا يرى فِي الْمَنَام. وَقد ذكرت ذَلِك أَولا. ثمَّ ابتدأت بِذكر الله تَعَالَى، وَالْمَلَائِكَة، والأنبياء ﵈. ثمَّ ذكرت السَّمَوَات وَالْأَرْض، وَمن فِيهِنَّ. ثمَّ كَذَلِك؛ حَتَّى أتيت إِلَى الْجنَّة وَالنَّار، وَمَا يدلان عَلَيْهِ. وَقد ذكرت - قبل أَبْوَاب الْمُقدمَة - أَرْبَعَة عشر فصلا. وَلم أترك شَيْئا - من الْقَوَاعِد الشاملة لهَذَا الْعلم مِمَّا قَالَه الْعلمَاء؛ أَو رزقت الِاجْتِهَاد فِيهِ - إِلَّا ذكرته. على اخْتِلَاف الْملَل والأديان،
1 / 112
والأعصار والبلدان.
1 / 113
صفحة فارغة
1 / 114
صفحة فارغة
1 / 115
صفحة فارغة
1 / 116
صفحة فارغة
1 / 117
وَجعلت الْأَبْوَاب خَمْسَة عشر بَابا وَهِي:
الْبَاب الأول: فِي رُؤْيَة الْبَارِي جلّ وَعلا، وَالْمَلَائِكَة، والأنبياء ﵈، وَالصديقين، وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ﵁ الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ.
الْبَاب الثَّانِي: فِي رُؤْيَة السَّمَاء، وَمَا فِيهَا، وَمَا ينزل مِنْهَا، وَمَا يطلع إِلَيْهَا.
الْبَاب الثَّالِث: فِي الْحَوَادِث فِي الجو.
الْبَاب الرَّابِع: فِي الأَرْض، وأشجارها، وجبالها، وسهلها ووعرها، وَمَا يتَعَلَّق بهَا.
الْبَاب الْخَامِس: فِي مياه الأَرْض.
الْبَاب السَّادِس: فِي الْحَيَوَانَات.
الْبَاب السَّابِع: فِي الْأكل والذبائح.
الْبَاب الثَّامِن: فِي الْأَبْنِيَة وَمَا تصرف مِنْهَا.
الْبَاب التَّاسِع: فِي الملابس.
1 / 118
الْبَاب الْعَاشِر: فِي الصَّنَائِع والصناع.
الْبَاب الْحَادِي عشر: فِي الأدوات المستعملات.
الْبَاب الثَّانِي عشر: فِي رُؤْيَة بني آدم.
الْبَاب الثَّالِث عشر: فِي أَعْضَاء ابْن آدم، وَمَا يحدث مِنْهُ.
الْبَاب الرَّابِع عشر: فِي الْمَوْت والنزاع.
الْبَاب الْخَامِس عشر: فِي السَّاعَة وأشراطها. قَالَ المُصَنّف ﵀: لما أَن كَانَ الْملك - فِي الْيَقَظَة - بَين يَدَيْهِ أعوان؛ يتصرفون بأَمْره فِي وَقت حُضُوره، وَلم يقدروا على الْوُقُوف دَائِما بِلَا أَخذ رَاحَة - وَلَا يَلِيق أَن يتصرفوا لأخذ الرَّاحَة وَهُوَ جَالس؛ رُبمَا حدث حَادث فِي وَقت غيبتهم أفْضى إِلَى الْفساد - فحجب نَفسه فاستراح، واستراحت الأعوان. وَجعل فِي وَقت غيبته حرسًا على الْأَبْوَاب - لِئَلَّا يحدث حَادث فِي وَقت غيبتهم، وَمَا يُمكن الحرس يتْركُوا مواضعهم؛ ويطلعوه على الْحَادِث، خوفًا من حُدُوث حَادث فِي وَقت غيبتهم، فَجعل عَلَيْهِم من يسمع مِنْهُم مَا يقولوه. وَالْآخر مَا يُمكنهُ الْغَيْبَة لِئَلَّا يطلبوه وَقت غيبته لحادث آخر فَمَا يجدوه فَمَا يُفِيد - فَاحْتَاجَ إِلَى كَبِير متوصل؛ يُوصل ذَلِك إِلَى الْملك إِذا جلس. فَإِذا انْتهى إِلَيْهِ مثلا؛ أَن جمَاعَة بِالْمَكَانِ الفاني سرقوا /؛
1 / 119
وَفُلَان قَامَ قَاتلهم وَدفع شرهم. نظر الْملك رَأْيه فيهم. فيأمر بقتل بَعضهم، أَو قطعه، أَو صلبه، أَو سجنه، ونو ذَلِك. وَيَأْمُر بإكرام المدافع لَهُم على مَا يَلِيق بِهِ من الْكَرَامَة. وَلما كَانَت الرّوح؛ الْمُدبر فِي الْبدن. كالملك فِي الْبَلَد - وَبَين يَدَيْهِ أعوان - السّمع، وَالْبَصَر، والنطق، وَالْيَدَانِ، وَالرجلَانِ - وَلَيْسَ لَهُم طَاقَة السهر دَائِما - لِأَنَّهُ يقل السّمع وَالْبَصَر والنطق - فَأرْسل الله تَعَالَى النّوم رَاحَة لأولئك كَمَا ذكرنَا. وَأقَام الْأَنْفس الثَّلَاثَة - كَمَا فِي الْيَقَظَة - للْملك. فَإِذا اسْتَيْقَظَ الرّوح الْمُدبر؛ أمْلى عَلَيْهِ الْمَنَام؛ أَنِّي رَأَيْت كأنني آكل حلوًا من إِنَاء مليح فَيَقُول لَهُ الرّوح الْمُدبر: هُوَ للْمَرِيض بالحرارة ردئ. لكَون ذَلِك لَا يُوَافق مَرضه. وَيَقُول للصحيح - إِن كَانَ ملكا -: ملك بَلَدا كَبِيرا. وَلمن دونه: ستتولى مَكَانا مليحًا. ولطالب الْعُلُوم: تبلغ مرادك مِنْهَا: وللعازب: ستتزوج امْرَأَة حسناء. وَنَحْو ذَلِك. وَإِن كَانَت الْحَلَاوَة ردية؛ فعكس ذَلِك.
[فصل: ١] الْفَصْل الأول
فِي هَيْئَة الْمَنَام
[٤] أعلم أَن النّوم رَحْمَة من الله على عَبده؛ ليستريح بِهِ بدنه عِنْد
1 / 120
تَعبه. لما علم الله ﷿ عجز الرّوح عَن الْقيام بتدبير الْبدن دَائِما.
1 / 121
فالنوم هُوَ أبخرة تحيط بِالروحِ الْمُدبر للبدن؛ فتحجبه عَن التَّدْبِير.
1 / 122
وَمَا هُوَ فِي الْمِثَال إِلَّا كالملك - إِذا حجب نَفسه عَن تَدْبِير مَمْلَكَته ليستريح وتستريح أعوانه فِي وَقت حجبه - وَمن الْحِكْمَة جعل الله تَعَالَى - حِين غيبَة الرّوح الْمُدبرَة - ثَلَاثَة أنفس قَائِمَة؛ فَالْأولى: النَّفس المخيلة. أشبه شَيْء بالمرآة، لتخيل كل شَيْء يواجهها. وَجعل أمامها؛ نفسا حافظة: تحفظ مَا تصَوره المخيلة. وَجعل نفسا موصلة: توصل ذَلِك إِلَى الرّوح الْمُدبرَة -
1 / 123
إِذا انْكَشَفَ الْحجب عَنْهَا - ليتصرف فِيهِ على مَا يرى. وَمَا جعل الله تَعَالَى النّوم كَذَلِك إِلَّا من لطفه وحكمته، لِأَن حَال الْيَقَظَة مَا يُمكن أَن الْإِنْسَان يعرف مَا يحدث فِي الْوُجُود كل وَقت إِذْ لَو كَانَ ذَلِك كَذَلِك، لتساوى النَّاس بالأنبياء ﵈.
1 / 124
صفحة فارغة
1 / 125
صفحة فارغة
1 / 126