فقد ذكر أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - حرم ما كانت العرب في الجاهلية تستقذره (1)، فما أشبه من هذه الأجناس الحلال فهو حلال، وما أشبه الحرام فهو حرام، ...
--------------------
قوله فما أشبه من هذه الأجناس ... الخ: الظاهر أن المراد بالأجناس ما ذكر أنه متفق على تحليله وما ذكره من الحيات والأماحي وما شاكلها مما هو حرام؛ والحاصل أن ما لم يرد فيه نص من الشارع مما ذكر من الهوام في طريق تحليله وتحريمه ثلاثة أقوال: منهم من يقول السبب في ذلك المشابهة كما قال المصنف -رحمه الله-، ووجه الشبه في الحلال أن اليربوع مثلا دويبة ذات أربع قوائم، تجتر كالأنعام، وهي من ذوات الكروش، وكذلك القنفذ؛ ووجه الشبه في الحرام أن الحيات والأماحي وما شاكلها تأكل اللحم وتعدوا كالسباع. ومنهم من يقول السبب في ذلك الاستقذار وعدمه، أعني: استقذار العرب في الجاهلية، وقد جمع المصنف -رحمه الله- بين هذين القولين. ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الشرع، ولا عبرة باستقذار النفوس، يؤخذ هذا كله من كلام الشيخ عامر- رحمه الله -، والله أعلم (2).
__________
(1) - لم نقف على هذا الحديث؛ ولا اعتبار لاستقذار النفوس واستطابتها لشيء في تحريمه أو تحليله، بل المعتبر هو الشرع، وفي حديث خالد بن الوليد المخزومي ما يدل على ذلك، إذ كان خالد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ، وبعد أن أهوى الرسول بيده إليه أخبر بأنه ضب، فرفع يده، فسأله خالد أحرام هو؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه، فاجترره خالد فأكله والرسول ينظر إليه، (رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد ومالك وغيرهم)؛ فلو كان ما تستقذره النفوس حراما لحرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رغم أن الرسول لم يستقذره لوحده بل روي أن بعض العرب تعافه وتستقذره كذلك، ومع هذا لم يكن ذلك مستندا لتحريمه. (راجع: عامر الشماخي، الإيضاح، 1/ 340).
(2) - الإيضاح، 1/ 332 - 340، والقول بذلك هو الرأي الذي رجحه الشيخ عامر - رحمه الله- في الإيضاح (1/ 341)، وهو قول الإباضية قاطبة؛ قال الشيخ البرادي:» حقيقة الحسن =على أصولنا: ما حسنه الشرع، وحقيقة القبيح: ما قبحه الشرع، ولا التفات إلى العقل =في شيء من ذلك «(الحقائق، 37)، وبذلك صرح البدر الشماخي في "شرح مختصر العدل" (ص:283)، والإمام السالمي في "معارج الآمال" (1/ 164). وإنما يعتد الإباضية بتحكيم العقل تحسينا أو تقبيحا عند عدم الشرع، كما هو مصرح به في "شرح مختصر العدل" المذكور، وللشيخ السالمي في "المعارج" (1/ 175) توجيه وتعليل لهذا الاستثناء، وتفريق بينه وبين ما يراه المعتزلة من مطلق التحسين والتقبيح العقليين، فليراجع.
Page 46