وأما أمور الفقراء الواصلين، فلا يتسع هذا الموضع لشرح حالهم، لأن مقصودنا الاقتصار، والقلوب تضيق عن سماع بداياتهم، فكيف يكون حالها في سماع نهاياتهم ? والواجب علينا أن نبكي على أنفسنا حيث قد ابتلينا اليوم بطوائف شغلهم أكل الحرام؛ من الملبوس والمظالم، والحلال عندهم ما وجدوه، والحرام ما فقدوه، ويدورون طول نهارهم على لقمة يحصلونها، أو صورة يتمتعون بالنظر إليها، ويظهرون الأحوال، يتأكلون بها عند الناس، ولهم مع ذلك الدعاوى العريضة، وما شموا رائحة الإسلام الخاص في الظاهر، ولا رائحة الإيمان النافذ في الباطن يقيمون السماعات ويرقصون عليها طول الليل، فإذا صلوا نقروا نقر الغراب، فما أبعدهم عن الله عز وجل.
يتباهون بالدخول على الأمراء، وأخذ فتوحهم - نسأل الله أن يبعدهم عنا - فهؤلاء قطاع الطريق ، قطعهم لطريق الله أصعب من لصوص الطرقات، فإن اللصوص يأخذون المال، وهؤلاء لا يراهم الجاهل، فيظن أن هذا هو الفقر، وهو الدين، فيقطعون عليه الطريق، فشغلهم أكل أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله، طهر الله الأرض منهم، وطمس آثارهم، فلقد وسخوا الفقر وسودوا الدين، وهذا هو النفاق حقيقة، أن يظهر الإنسان الحال بلا حقيقة، ليتأكل به.
ورضي الله عن أهل الخشية، والخوف، والتعظيم، والمراقبة، ومعرفة السنة، والمتابعة، المستورين، الذين يعرفهم الله ويعرفونه، أولئك أهل الحضرة الإلهية، والنفحات القدسية، سلام الله عليهم.
Page 38