ضم أصابع يمناه الخمس، حتى صارت كفم مزموم، وجعل يرفعها ويخفضها بتؤدة، وهو يقول بلهجة وعظية: يا بنت الحلال لا تضيعي الوقت الغالي في الكلام.
وهي تهز رأسها في زهو ودلال: بل قل لا تضيعي الوقت الغالي مع الكهول.
مسح السيد على صدره العريض بكفه في حركة توحي بالتحدي الباسم، ولكنها هزت منكبيها ضاحكة، وهي تقول: ولو ... - ولو؟ يا لك من طفلة، حرام علي النوم إن لم أعلمك ما ينبغي أن تعلميه، هاتي الملوخية والأرانب والويسكي والعود وزنار الرقص، هيا، هيا.
ثنت سبابة يسراها وألصقتها بحاجبها الأيسر، ثم أرعشت حاجبها الأيمن، وهي تتساءل: ألا تخاف أن تكبسنا السلطانة على غفلة؟ - لا تخافي، لن تعود السلطانة الليلة.
فحدجته بنظرة حادة مريبة، وتساءلت: من أدراك بذلك؟
انتبه إلى عثرة لسانه، فأوشك لحظة أن يغلبه الارتباك، ولكنه تخلص منه قائلا في لباقة: السلطانة لا تبقى في الخارج حتى هذه الساعة إلا لضرورة تستدعي بقاءها حتى الصباح.
جعلت تحدق في وجهه طويلا دون أن تنبس، ثم هزت رأسها في سخرية ظاهرة، ثم قالت بصوت مليء بالثقة: يا لمكر الكهول! يضعف فيهم كل شيء إلا مكرهم، هل حسبتني غفلانة؟ كلا وحياتك، إني أعلم كل شيء.
عاد إلى العبث بفردة شاربه في شيء من الضيق، ثم سألها: ماذا تعلمين؟ - كل شيء.
وتريثت قليلا لتزيد من ارتباكه، ثم استطردت: أتذكر يوم جلست على قهوة سي علي لتسترق النظر من نافذة القهوة؟ يومها عينك حفرت جدار بيتنا من شدة النظر. ولما ركبت العربة الكارو مع أفراد التخت ساءلت نفسي: ترى هل يتبعنا مهللا وراءنا كما يفعل الصبية؟ ولكنك عقلت وانتظرت فرصة أحسن.
قهقه الرجل حتى اشتدت حمرة وجهه، ثم قال بتسليم: اللهم اعف عنا. - ولكنك نسيت عقلك أمس، عندما رأيتني أمام خان جعفر فتبعتني حتى دخلت ورائي دكان يعقوب. - عرفت هذا أيضا يا بنت أخت زبيدة؟ - نعم يا زين العشاق، بيد أنني لم أكن أتصور أنك ستدخل ورائي الدكان، ولكني ما لبثت أن وجدتك جالسا فوق الكنبة ولا عفريت النسوان نفسه، ولما تظاهرت بالدهشة لرؤيتي كدت أطلق لساني فيك بما قسم، ولكن الموقف أملى علي الأدب.
Page inconnue