150

Le Palais du désir

قصر الشوق

Genres

فقال إسماعيل وهو يرفع منكبيه استهانة: كلانا بلغ هدفا واحدا، أنت بعد كد وتعب تواصلا طوال العام، وأنا بعد تعب شهر واحد. - هذا دليل على أنك عالم بالفطرة!

فتساءل إسماعيل ساخرا: ألم تقل مرة في أحد أحاديثك التافهة: إن برنارد شو كان أخيب تلميذ في عصره؟

فقال كمال ضاحكا: الآن آمنت بأن عندنا نظيرا لشو، على الأقل في خيبته!

عند ذاك قال حسين شداد: عندي خبر ينبغي إذاعته قبل أن يسرقنا الحديث.

ولما وجد أن قوله لم يجد كثيرا في لفت الأنظار إليه نهض فجأة، ثم قال بلهجة لم تخل من تمثيل: دعوني أزف إليكم خبرا طريفا وسعيدا (ثم مستدركا وهو ينظر نحو حسن سليم) أليس كذلك؟ (ثم وهو يعود برأسه نحو كمال وإسماعيل) تمت أمس خطبة الأستاذ حسن سليم على أختي عايدة.

وجد كمال نفسه أمام هذا الخبر بغتة كما يجد إنسان نفسه تحت الترام، وكان أنعم ما يكون عينا بالسلامة والأمن، خفق قلبه خفقة عنيفة كسقطة طيارة منطلقة في فراغ هوائي، بل هي صرخة فزع باطنية تصدعت الضلوع دون تسربها إلى الخارج، وقد عجب - خصوصا فيما بعد - كيف استطاع أن يضبط مشاعره، ويلاقي حسين شداد بابتسامة التهنئة، فلعله شغل عن القارعة - ولو إلى حين - بالصراع الذي نشب بين نفسه وبين الذهول الذي طوقها. وكان إسماعيل لطيف أول من تكلم فردد عينيه بين حسين شداد وحسن سليم الذي بدا هادئا رزينا كعادته، وإن شابه هذه المرة شيء من الحياء أو الارتباك، ثم هتف: حقا! يا له من خبر سار، سار ومفاجئ، سار ومفاجئ وغادر! غير أني سأؤجل الحديث عن الغدر إلى حين، حسبي الآن أن أقدم خالص التهاني!

ونهض فصافح حسين وحسن، فقام كمال من فوره للتهنئة كذلك، وكان مأخوذا رغم ابتسامته الظاهرة بسرعة الحوادث وغرابة الأقوال حتى خيل إليه أنه في حلم غريب، وأن المطر ينهمر فوق رأسه، وأنه يتلفت باحثا عن مأوى. وقال وهو يصافح الشابين: خبر سار حقا، تهاني القلبية.

عاد المجلس إلى سابق هيئته، واختلس كمال من حسن سليم نظرة على رغمه فرآه هادئا رزينا، وكان يشفق من أن يجده مختالا أو شامتا - كما تصور هذا - فداخله شيء من الارتياح العابر. وراح يستجدي نفسه أقصى ما لديها من قوة ليستر جرحه الدامي عن العيون اليواقظ، وليتفادى من مواضع الهزء والزراية، تجلدي يا نفسي وأنا أعدك بأن نعود إلى هذا كله فيما بعد، بأن نتألم معا حتى نهلك، وبأن نفكر في كل شيء حتى نجن، ما أمتع هذا الموعد في هدأة الليل حيث لا عين ترى ولا أذن تسمع! حيث يباح الألم والهذيان والدموع دون زراية زار أو لومة لائم، وثمة البئر القديمة أزح عن فوهتها الغطاء، واصرخ فيها مخاطبا الشياطين، ومناجيا الدموع المتجمعة في جوف الأرض من أعين المحزونين، لا تستسلم، حذار؛ فالدنيا تبدو لناظريك حمراء كعين الجحيم. عاد إسماعيل لطيف يقول متخذا لهجة الاتهام: مهلا، لنا عندكما حساب، كيف حدث هذا دون سابق إنذار؟ أو فلندع هذا إلى حين، ولنسأل كيف تمت الخطبة دون حضورنا؟

قال حسين شداد مدافعا عن موقفه: لم يكن هناك حفل كبير أو صغير، اقتصر الجمع على خاصة الأهل، موعدنا يوم الكتاب وعليك خير، ستكونان من الداعين لا المدعوين.

يوم الكتاب! كأنه عنوان لحن جنائزي، حيث يشيع قلب إلى مقره الأخير محفوفا بالورود، مودعا بالزغاريد، وباسم الحب تعنو ربيبة باريس لشيخ معمم يتلو فاتحة الكتاب، وباسم الكبرياء هجر إبليس الجنة. قال كمال باسما: العذر مقبول والوعد مأمول.

Page inconnue