135

Le Palais du désir

قصر الشوق

Genres

وجلست وهي تتنهد، ثم قالت مخاطبة عائشة: نظرت من المشربية فوجدت الطين المتخلف من مطر الأمس لا يزال يغطي أرض الحارة، فخبريني وربك كيف يشق أبي سبيله؟ ولم هذا العناد كله؟

فسألتها عائشة: والسماء؟ كيف حالها الآن؟ - قطران! ستجعل الحارات بحورا قبل الليل، ولكن هل أجدى ذلك في حمل حماتك على تأجيل ما بيتت من شر ولو إلى يوم آخر؟ كلا، ذهبت إلى الدكان رغم ما يسببه المشي لها من متاعب، وما زالت بالرجل حتى تعهد لها بالحضور، ولو سمعها سامع في الدكان وهي تشكوني في هذه الظروف العسيرة لحسبني ريا أو سكينة.

وضحكوا جميعا مغتنمين الفرصة التي أتاحتها لهم للتنفيس عن صدورهم، وتساءل إبراهيم: أتحسبين نفسك أقل شأنا من ريا وسكينة؟

وسمع نقر على الباب، ولما فتحت الخادم لاح وجه الجارية سويدان فنظرت إلى خديجة بخوف، وقالت: سيدي الكبير حضر.

ثم سرعان ما توارت ، وقامت خديجة شاحبة اللون وهي تقول بصوت خافت: لا تتركونا وحدنا.

فقال خليل ضاحكا: معك إلى النهاية يا خديجة هانم.

فقالت بلهجة وشت بالرجاء والتوسل: كونوا في جانبي.

وغادرت الشقة بعد أن ألقت عائشة نظرة متفحصة على صورتها في المرآة لتتوكد من خلو وجهها من أي أثر للأصباغ.

كان السيد أحمد عبد الجواد يجلس على كنبة في صدر الحجرة القديمة تحت صورة كبيرة للمرحوم شوكت، على حين جلست الأم على مقعد قريب في معطف كثيف لم تجد كثافته في إخفاء ضآلة جسمها الذي احدودب أعلاه، وقد نحل وجهها، وعمقت تجاعيده وتكاثرت، وجف جلده، فلم يبق شيء منه على ما كان عليه إلا أسنانها الذهبية. ولم تكن هذه الحجرة بالغريبة على السيد أحمد، ولم يهون قدمها من فخامتها، وإذا كانت الستائر قد بهتت، وقطيفة بعض المقاعد والكنبات قد انجردت، أو تهتكت عند المقابض والمساند، فإن بساطها العجمي قد صان رونقه أو استجد نفاسته، إلى أن جوها تنسم برائحة بخور لطيفة مما تولع به العجوز. وكانت المرأة تميل على مظلتها وتقول: قلت لنفسي إذا لم يحضر السيد أحمد كما وعدني، فلا هو ابني ولا أنا أمه.

فابتسم السيد قائلا: لا سمح الله، إني طوع أمرك، فأنا ابنك وخديجة ابنتك.

Page inconnue