فبادرها متسائلا: كيف تجدينني؟
فقالت بإيمان: أنت كذلك، وأكثر.
لكن كيف يتأتى لك أن تحبك الملائكة؟ ادع صورتها السعيدة وتأمل قليلا. هل يمكن أن تتخيلها مسهدة طريحة حب وجوى؟ وما أبعد هذا عن خوارق الظنون، إنها فوق الحب ما دام الحب نقصا لا يدرك الكمال إلا بالحبيب، اصبر ولا تلو قلبك من الألم، حسبك أن تحب، حسبك منظرها الذي يشعشع بالنور روحك، وأنغام نبراتها التي تسكر بالتطريب جوارحك ، من المعبودة ينبثق نور تتبدى فيه الكائنات خلقا جديدا، الياسمين واللبلاب من بعد صمت يتناجيان، والمآذن والقباب تطير فوق بساط الشفق صوب السماء، معالم الحي العتيق تنطق عن حكمة الأجيال، أوركسترا الوجود تستأنف زفرات الصراصير، الحنان يفيض من الجحور، الأناقة تزخرف الأزقة والدروب، عصافير الغبطة تزقزق فوق القبور، الجمادات تتيه في صمت التأملات، قوس قزح يتجلى في الحصيرة التي تطرح عليها قدميك، هذه دنيا معبودتي. - كنت مارة بالأزهر في الطريق إلى الحسين، فقابلتني مظاهرة كبيرة تهتف بهتافات ذكرتني بالماضي، هل جد جديد يا بني؟
قال: الإنجليز لا يريدون أن يذهبوا بسلام.
قالت بحدة، وفي عينيها نظرة غضب تبرق: الإنجليز ... الإنجليز ... متى تنزل عليهم نقمة الله العادل؟
انطوت دهرا لسعد نفسه عن مثل هذه الكراهية، لولا أن أقنعها في النهاية بأنه لا يجوز أن يبغضوا شخصا أحبه فهمي، وعادت تتساءل في قلق ظاهر: ماذا تعني يا كمال؟ هل نعود إلى أيام البلاء؟
فقال بامتعاض: لا يعلم الغيب إلا الله.
فاعتراها ضيق بدا في تقلصات وجهها الشاحب، وقالت: اللهم قنا العذاب فلنتركهم لغضب القهار، هذه هي الخطة المثلى، أما أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة فهو الجنون والعياذ بالله. - هدئي من روعك، لا محيد من الموت، الناس يموتون بسبب أو بآخر، وبلا سبب على الإطلاق.
قالت في استياء: لا أنكر أن قولك حق، ولكن لهجتك لا تعجبني. - كيف تريدين أن أتكلم؟
قالت بصوت مؤثر: أريد أن تعلن موافقتك على أنه من الكفر أن يعرض الإنسان نفسه للتهلكة.
Page inconnue