4
نعم، هذا رأي سائغ مشروع، يحق لنا أن نراه، ولكن يحق لنا معه أن نشعر بأننا نبتعد ونقترب من مواطن الحياة الكونية في وقت واحد، لأننا نستغرب أن توجد الحياة في سيارات هذا الفضاء وتنقطع الصلة بين أبنائها، فلا يحاول بعضهم أن يدل على مكانه ولا يفلح في الكشف عن مكان غيره، فهل تراهم يجهلون مواطن إخوانهم وشركائهم في هذا الوجود الذي ينفردون فيه بالوعي والشعور على ما بينهم من تباعد الآفاق؟ أو هم يعلمون ولا يملكون وسائل التفاهم والاتصال؟
يحق لنا كلما نظرنا إلى تلك الآفاق نظرة الأستاذ كلفن ومن يرون رأيه أن نقدر وجود الأحياء في طائفة من سياراتها قبل وجودهم على سيارتنا الأرضية، ولم لا؟ لم يمتنع وجود الحياة في زمان قبل زمانها المحدود على هذه الكرة؟ لم توجد الحياة حيثما وجدت في زمان واحد، ولا يكون بعضها قد وجد قبل عمرها الأرضي بمئات الأعمار المحسوبة بملايين السنين؟ ولم لا تكون لها قدرة على الاتصال بنا أكبر من قدرتنا نحن على الاتصال بها إذا كانت قد سبقتنا إلى الوعي والمعرفة، وأدركت من العلم ما لم ندركه في زماننا؟ وإذا كانت ندا لنا في عمرها فما بال هذه الحياة لا تنشأ حيث نشأت إلا في آونة واحدة مع اختلاف المنشأ في السيارات والكواكب والنجوم وهي وراء حدود الإحصاء؟
كلما أنعمنا النظر في أمر هذه الحياة الكونية رأينا أنها تبتعد وتقترب، وأنها تنجلي من هنا لتغمض من هناك، فمن الشطط في الأمل أن نتخيل أن البقية الباقية من القرن العشرين حسبنا من أمد لإعداد معدات السفر إلى مواطنينا الكونيين قبل أن نعرفهم ويعرفونا، وقبل أن نتقارب فيما بيننا بلغة التفاهم والمراسلة، إن كانت هناك لغة كونية لجميع الأحياء، وأدنى من ذلك إلى الأمل المشروع أن نختم القرن العشرين، وقد وصلنا إلى الخبر اليقين عن مواطن الحياة في هذا العالم، وعن شروط الحياة أو الحيوانات المتعددة بين أرجائه الفساح، بل نكاد نستبعد هذا الأمل ونطمح مع ذلك إلى أمل كبير؛ لأنه يزيدنا علما بحياتنا على وجه الأرض، ودراية بالمادة وما تحتويه من أجسام الأحياء.
فمن الآمال التي نكاد نلمسها أن تترقى أدوات الرصد حسا ومعنى في بقية القرن العشرين فنهتدي بها إلى أسرار الضياء والإشعاع، وعلاقة الذرات المبثوثة في الفضاء بظواهر الكهرباء والمغناطيسية وحقيقة الجاذبية الأرضية وغير الأرضية، ومن الجائز جدا أن ننفذ على هدى تلك الأرصاد إلى ذلك الينبوع الجامع لظواهر الطاقة والقوة، وأن نحول بعضها إلى بعض بوسائل الصناعة في غير كلفة مجهدة تربى على فوائدها وثمراتها. وإن اليوم الذي نستطيع فيه أن نحول الجاذبية إلى مغناطيسية وكهرباء ليضع أيدينا على ينبوع من القوة لا ينفد ولا تعرف له نهاية، وقد تغنينا هذه القوة عن استخراج الطاقة من الفحم أو الحجارة أو النفط أو تيارات الماء أو كوامن الذرات، فإن قوة الجذب بين الأرض والسماء شائعة في كل مكان، ولعلها هي مصدر الطاقة التي تتولد في الأرض وما عليها من العناصر المعروفة، ومما هو صالح لتوليدها من القوى الكامنة التي نجهلها الآن.
ولعل العلم بسر «الجاذبية» بين الأكوان يهيئ لنا الصلة التي تربطنا بعوالم الحياة المجهولة في سياراتها، فنرتبط بها على وعي وشعور كما نرتبط بها الآن بمادة الأجسام.
الفصل السابع
عالمنا
ومن الخير ألا تتعجل هذه الكرة الأرضية لقاء العوالم الأخرى قبل أن تتلاقى هي عالما واحدا، يقطنه نوع واحد: نوع إنساني واحد في شرعة الرأي والخلق ، لا في شرعة علماء الأجناس عند تقسيم فصائل الحيوان.
وهي اليوم عالم متضامن في حكم الواقع ما في ذلك مراء، ولكن كم بين العالم المتضامن في الخير والشر، وبين العالم المتعاون في الخير والشر من مسافة واختلاف؟
Page inconnue