ويظهر أن الاتحاد السوفيتي له حالة خاصة فيما يتعلق بلوازم الطاقة الذرية، فإن بلاد الاتحاد - على ما تملكه من مناجم الفحم الغنية - يقع فيها معظم هذه المناجم بين أرجاء سيبريا، وتظل بقيتها مفتقرة إلى الوقود، ولهذا يستورد في كل سنة على ما يظهر نحو خمسة عشر مليون طن من الفحم من قره غنده وقازاقستان إلى روسيا الأوروبية، وهي مسافة تبلغ من ألف وخمسمائة ميل إلى ألفي ميل، وهذا أحد الأسباب التي حملت الحكومة السوفيتية على الاهتمام بتصنيع سيبريا، وهو كذلك أحد الأسباب التي دعت إلى إقامة خمس محطات لتوليد الطاقة النووية في موسكو، ولننجراد، وجبال الأورال، ومن خلاصة ما تقدم يرى جليا أن الطاقة النووية سيكون لها دور هام في بقاع كثيرة من العالم، وبخاصة في أوروبا، وأمريكا الجنوبية، والشرق الجنوبي من آسيا واليابان، وإن ذلك يتم حالما يتهيأ إعداد الأجهزة الصالحة لتوليد الكهرباء بسعر عشرة ملات للكيلووات الواحد في الساعة أو أقل من ذلك، ومن سخرية المصادفات أن الولايات المتحدة التي تملك - على الأرجح - أتم المعدات الفنية لاستخدام الطاقة النووية لا تشعر بالحاجة إليها في الوقت الحاضر، إلا فيما يلزم للمقاصد العسكرية، وأنها عندما تشعر بالحاجة إليها سوف يأتي ذلك على بطء بالقياس إلى الكثير من بلدان العالم.
وكلما قاربت ودائع العالم من البترول أن تنفد - كثر الإقبال على استخراج الوقود السائل من الصفائح الصخرية، ورمال القطران، وتقطير الفحم، ومن حوالي سنة 1975 ينتظر أن تتسع الفجوة بين البترول والفحم باعتبارهما ينابيع أولية لتوليد الطاقة، وينبغي بعد سنة 1980 أن تكون للطاقة النووية نسبتها المحسوسة باعتبارها بديلا للوقود المستخرج من الحفريات في توليد الكهرباء، وقد تبلغ هذه النسبة ثلث المستنفد من الطاقة حوالي نهاية القرن العشرين، فإذا قارب القرن المقبل منتصفه، فالغالب أن يكون المعول على الطاقة النووية في أكثر ما نحتاج إليه مع الاحتفاظ بودائع الفحم لتوليد الوقود السائل، وبعض المواد الكيمية.
ولنسأل الآن: كم من الزمن ننتظر أن تبقى في الكرة الأرضية ذخائرها من عنصر الأورانيوم وعنصر الثوريوم صالحة لتزويد هذا العالم الصناعي بالوقود؟ إن هذين العنصرين هما - كالفحم والبترول - من وقود الحفريات، تكونت كلها مع تكوين العناصر الأرضية، ولا يتكونان الآن من جديد، فمقدار ما نحصل عليه منهما محدود، ولكنهما - على هذا - ينتجان من الطاقة أضعاف ما يحتويه الفحم والبترول، ويرجع ذلك إلى أن العنصرين موجودان في الطبقات السفلى بمقادير وافرة من بقية القشرة الأرضية.
وتحتوي القطعة العادية من الصخر المحبب - الجرانيت - أجزاء عنصر الأورانيوم بنسبة أربعة من المليون، وأجزاء عنصر الثوريوم بنسبة اثني عشر من المليون، إلا أن كلا من العنصرين في الطن المتوسط يحتوي ما يساوي طاقة خمسين طنا من الفحم، ومن الطبيعي أن هذه الطاقة ليست كلها ميسرة للانتفاع بها لما تستلزمه عملية إخراج العنصرين من التكاليف بين كسر الحجارة وسحقها، ونقل صفوتها إلى المعمل الكيمي، ولا حاجة إلى القول بأن هذه العملية لا تجدي شيئا إذا تساوت تكاليف الطاقة اللازمة لها وتكاليف الطاقة التي تستمد بعد ذلك من العنصرين.
على أنه قد تبين أن العنصرين يوجدان في الصخر على نحو يجعل الطاقة اللازمة لاستخلاصها جد قليلة، ويستطاع لهذا أن يستخلص من طن الصخر ما يعادل الطاقة المستمدة من خمسة عشر طنا من الفحم بتكاليف معقولة من الوجهة الاقتصادية ، ومعنى هذا أن الإنسان غير مفتقر إلى استخدام أجود أنواع الأورانيوم والثوريوم لتوليد الكهرباء، إذ يستطيع أن يعول على الموجود منهما في القشرة الأرضية.
ويحتمل على طول المدى أن تتولد الطاقة من تفاعل الحرارة والطاقة النووية، أي من التحام الهيدروجين باعتباره عملا مستقلا عن انشقاق الأورانيوم، ولا يعلم إلى الآن كيف تجري هذه العملية، وإن كان إمكانها حقيقة مسلمة، فإذا تمكن العلم من تذليل المصاعب الفنية، فكل ما على الأرض من البحار مدد صالح للانتفاع به في توليد هذه الطاقة، وقد تكون هذه العملية أكبر كلفة من عملية شق الأورانيوم، إلا أنها حاضرة للانتفاع بها في حينها يوم يحتاج إليها.
ويتضح في الختام أن ذخائر الطاقة التي يعتمد عليها الإنسان موفورة إلى زمن بعيد، وعلينا أن نحول هذه الذخائر من قوة مخزونة إلى قوة فعالة، وأن السؤال عن إمكان هذا التحويل في الوقت المناسب لسؤال حقيقي بالتوجيه والتأمل، إذ يتوقف جوابه على خليط مشتبك من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
1
الفصل الثاني
التعليم
Page inconnue