وقال تابع: هل يكفي الكلام وحده؟ .. هناك سلسلة من الأزمات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، تستل عن أي كلام فعاليته؟ - أعلم ذلك، وأعلم ما لا تعلمون، دعوا الأزمات؛ فقد تسندنا فيما بعد، وكما وجدت قلة صالحة في مناخ فاسد، لن يتعذر علينا مضاعفة أعدادها، انطلقوا فتعلموا الوعظ والإرشاد، وبثوه بسحري الذي لا يقاوم وسوف ترون. - يا له من جد! ولكنه بالمزاح أشبه.
فضحك السيد وقال: خير من اليأس والبطالة، بادروا إلى عملكم دون إبطاء؛ فالوقت من نار. •••
بعد حين من الدهر جمع الظلام السيد وأتباعه على حال جديدة من الإشراق، وقال السيد في شيء من المرح: هاتوا ما عندكم.
قال أكبر التابعين: الحق أنني وجدت صعوبة في ممارسة دوري الجديد، ولولا تأييد مولاي وسحره ما ذقت طعم التوفيق، ولكنني درست الوعظ بهمة عالية، وانتفعت كثيرا بما ينشر في صحف المعارضة، وما تلهج به الألسنة في الشوارع، وكان في المدينة رجل من ذوي المعاشات يقيم في بيت قديم ذي فناء غير ذي زرع، له من الأبناء أربعة، يشغلون مراكز مرموقة رغم أنهم من ذوي الدخل المحدود، الرجل يا مولاي طيب أبيض الصفحة، وذو دين ومبادئ، ولم يكن معاشه يكفيه أسبوعا أمام الغلاء الوحشي، ولكنه وجد في بر أبنائه ما جنبه أسباب القلق، وفي ظل تلك الطمأنينة تزوج من أرملة تجاوره في المسكن، وتصغره بعشر سنوات، تسللت إليه في مشرب عصير على كثب من مسكنه، واقتحمت خلوته قائلا بجرأة الدراويش: لدي ما أقوله لك.
فنظر إلى جلبابي الأبيض، وعمامتي الخضراء، وابتسامتي الحنون، وتساءل بفتور: من تكون يا حضرة؟
فقلت بهدوء وثقة: ناداني صوتك الحار، وأنت تضرع إلى الله عقب صلاة العشاء «ربي اكتب لي ولأبنائي الرضا في الدارين».
ودهش الرجل ودب في عينيه الاهتمام ولم ينبس فقلت: تأثرت لضراعتك، وقلت هذا رجل طيب يندر وجوده في هذا الزمان الكالح، والله لأزورنه.
تمتم الرجل: إنك ولا شك من أولياء الله الصالحين! - دعنا من إغداق الصفات، إنما جئت لأنقذك. - تنقذني! .. ولكن الدنيا بخير. - ليست كما تبدو، كان يجب أن تسأل نفسك من أين يجيء أبناؤك بالمال الذي يكرمونك به!
فقال الرجل مقطبا: إنهم يشغلون مراكز كبيرة كما لا بد أن تعلم. - في زماننا هذا لا ينفع مرتب ولا بنون! - ماذا تعني؟ - كلامي واضح، أبناؤك منحرفون والانحراف مغبته وخيمة.
فهتف الرجل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أنا لا يداخلني شك في أبنائي. - من أجل ذلك جئتك ناصحا.
Page inconnue