Angleterre et le canal de Suez : 1854-1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Genres
ولكن مثل ذلك القول لم يقنع مدير شركة القناة ولا الأعضاء الآخرين، وأشار دي لسبس بأن المحافظة على حياد القناة هو في صالح إنجلترا أكثر من أية دولة غيرها.
ولقد عمل موقف دي لسبس وشركة القناة على أن ترسل الحكومة البريطانية إلى حكومة فرنسا تحذرها من كل عمل يقوم به دي لسبس ضد إنزال القوات الإنجليزية، وإلا اضطرت الحكومة الإنجليزية إلى اتخاذ تدابير ضد شركة القناة نفسها.
وفي نفس الوقت كانت إدارة الشركة لا تزال تكافح في سبيل إقناع الإنجليز باحترام هذه القناة. وخاصة بعد أن احتلت قوات هيويت البحرية السويس، فاجتمع مجلس إدارة الشركة، وقرر بأغلبية الآراء القرار الآتي: أنه باتفاق أصحاب مشروع القناة أعلن حياد القناة، وأن هذا الحياد أساس الامتياز الذي منح للشركة، وهذا الامتياز نفسه يحرم القيام بأي عمل حربي في القناة؛ ولذا فالشركة في موقف لا يسمح لها أبدا بالموافقة على أي اعتداء على حياد القناة، الذي يتضمن بلا ريب حرية المرور لكل الشعوب، وعلى هذا لن تستطيع أية حكومة إقناع إدارة الشركة بقبول مسئولية الاعتداء على حقوق كل الشعوب التي تهتم بحرية الملاحة في القناة، ولما كانت صبغة الشركة قبل كل شيء تجارية، فليس لها أن تدخل في اعتبارها المسائل السياسية.
ولكن هذا لم يؤثر في موقف الحكومة الإنجليزية ولم يزحزحها عن رأيها قيد أنملة.
وفي الوقت الذي كانت فيه حكومة لندن تأخذ أهبتها للطوارئ، كانت حكومة إيطاليا تنصح بالتريث والصبر، وحكومة فرنسا تزداد كل يوم وهنا على وهن، ولا تجد من نفسها القوة لتتمشى مع رغباتها ورغبات الحكومة الإنجليزية، ولذا عادت تستفسر من الحكومة الإنجليزية: هل تفهم فرنسا من دعوة الإنجليز لها للاشتراك في حماية قناة السويس الاقتصار على القيام ببعض مناورات حربية بحرية واحتلال بعض النقط على ضفتي القناة، أو القيام بحملة عسكرية داخل البلاد ترمي إلى احتلال مصر جميعها احتلالا عسكريا؟
على أن هذا التردد من جانب الحكومة الفرنسية لم يمنع وزير الخارجية الإنجليزية جرانفل من مواصلة جهوده مع فرنسا بالرغم من رفض المستشار الألماني لفكرة الانتداب، ولذا رأت الحكومة الفرنسية أن تحدد نوع تدخلها - إذا حدث وتدخلت - فهي تفكر في التدخل فيما يختص بحماية قناة السويس والمحافظة على حرية المرور فيها فقط، أما إذا أرادت الحكومة الإنجليزية إرسال حملة بعد ذلك للقضاء على الثورة العرابية واحتلال العاصمة المصرية، فالحكومة الفرنسية غير مستعدة للاشتراك فيها أو التعاون معها، ولكنها لن تقوم من جانبها بإثارة أي معارضة لإنجلترا إذا حاولت تنفيذ برنامجها.
ولهذا أراد وزير الخارجية البريطانية أن يوضح فكرته لفرنسا فيما يختص بالتعاون بين الدولتين، ووضع التفصيلات الخاصة بتوزيع الإشراف على القناة بين الإنجليز والفرنسيين؛ فيشرف الفرنسيون على الجزء الشمالي للقناة، على المنطقة ما بين الإسماعيلية وبورسعيد، ويشرف الإنجليز على بقية أجزاء القناة، ويحتل الفرنسيون بورسعيد والقنطرة، ويحتل الإنجليز الإسماعيلية والسويس. وبهذا يرضى الطرفان ويتعاونان، ويطمئنان تماما فيما يختص بسلامة القناة، وفي هذا الحل تناسى جرانفل تماما حقوق المصريين، أصحاب القناة الأصليين، وحقوق السلطان صاحب السيادة، ونصوص الامتياز الممنوح لشركة القناة، ولم يبين جرانفل في برنامجه هذا هل هذا التعاون وذلك الاحتلال مؤقت أم نهائي.
وكانت حكومة فريسنيه راغبة في التعاون مع الحكومة الإنجليزية في حماية القناة ، ففريسنيه لا يريد ترك إنجلترا تتدخل وحدها وتنفرد بالنفوذ في القناة، ففي جلسة 24 يوليو في البرلمان الفرنسي طلب رئيس الحكومة اعتمادا لحماية القناة وعلى الأكثر لاحتلال الزقازيق لضمان المياه العذبة. وناقش مجلس النواب الفرنسي ذلك الطلب في جلسة 29 يوليو، فبين فريسنيه للمجلس أن ليس لفرنسا نية في التدخل الفعلي، وإنما غايتها حماية القناة، وأن لا دخل للسياسة في ذلك، فكل الدول لها نفس المصالح في حماية القناة، ووضح أن حماية القناة لا تؤدي إلى التدخل الحربي، وأن غاية فرنسا من ذلك هو مشاركة إنجلترا وعدم ظهور فرنسا بمظهر الضعف أمام الشعوب الإسلامية. وأجاب كلمنصو على ذلك بأنه لا يمكن فصل مسألة مصر عن مسألة القناة، وأن حماية القناة لا تكون باحتلال القناة، وإنما باحتلال القاهرة، وهذا هو سر تدخل إنجلترا، ولا يمكن لفرنسا أن تتعقب آثار إنجلترا، وليس من داع لأن تقوم فرنسا بحماية القناة لتحمي ظهر الإنجليز.
ورفض البرلمان الفرنسي طلب الحكومة الفرنسية بأغلبية واضحة، بعد أن ندد المعارضون برأي الحكومة، ورفضوا الموافقة على القيام بأي عمل حربي أو مغامرة خارجية، وانتصرت الفكرة التي تقول: إن على فرنسا أن تحتفظ بكل قواتها في أوروبا لحماية مصالحها المهمة والحيوية، وأن ترفض كل رأي يرمي إلى التوسع الخارجي أو الاستعمار.
وأما من حيث أمر تعاون إيطاليا مع الإنجليز في حماية قناة السويس، وفي إرسال حملة مشتركة إلى داخل البلاد المصرية، فلقد حاول السفير الإنجليزي في رومه إقناع مانشيني وزير الخارجية الإيطالية بوجهة النظر البريطانية، ووضح له فائدة التعاون مع بريطانيا في مسائل البحر الأبيض المتوسط، وخاصة في هذه المسألة بالذات، وبين له في جلاء لا مزيد عليه أن موافقة الباب العالي التي جاءت متأخرة في الاشتراك في مؤتمر الأستانة وعلى إرسال جنوده إلى مصر لن تجعل الحكومة البريطانية تعدل عن خطتها التي استنتها لنفسها، ولن تمنع الحكومة البريطانية من الاستمرار في استعداداتها الحربية، ومن المضي قدما في احتلال المراكز التي تراها في منطقة القناة وفي قمع الثورة العرابية وفي المحافظة على سلطة الخديو.
Page inconnue