Angleterre et le canal de Suez : 1854-1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Genres
O. .
والواقع أن الرأي العام البريطاني لم يكن مجمعا على معارضة المشروع، كما كانت الحكومة الإنجليزية معارضة له، فلقد كان جانب منه محبذا للناحية التجارية للمشروع، وهذا شجع دي لسبس على أن يسير قدما في مشروعه وفي طريقه، وأن يبين للرأي العام الإنجليزي أن المشروع ممكن تنفيذه من الناحية العملية، فأعلن أن تقارير المهندسين الفرنسيين من أمثال لينان بك وموجل بك قد أثبتت بطريقة لا تقبل الشك أن المشروع من الناحية الهندسية عملي وممكن تنفيذه.
ولم يقتصر دي لسبس على ذلك، فهو رجل جم النشاط ممتلئ بمشروعه، موقن بقيمته، كبير الأمل في تحقيقه، كون دي لسبس لجنة دولية ضم إليها عددا من كبار المهندسين الإنجليز أنفسهم لفحص المشروع ودراسته والتقرير عن إمكان تنفيذه.
ولقد بدأت اللجنة الدولية عملها في سنة 1855، وانتهت من وضع التقرير في يناير سنة 1856، ولو أنه لم ينشر إلا بعد ذلك، وفي ذلك التقرير أيدت اللجنة الدولية إنشاء القناة البحرية التي تصل ما بين البحرين، وبينت أن التنفيذ ليس صعبا كما يتصور المعارضون، وأن النجاح في إنجاز المشروع ممكن.
وعلى أساس هذا التقرير الجديد، حاول دي لسبس في يوليو سنة 1857 الإجابة على اعتراضات بامرستون، وبين أن هذه الاعتراضات قائمة على أسس تجارية وفنية وسياسية، فمن الناحية التجارية قيمة المشروع لا تقدر لإنجلترا، لا يحتاج ذلك إلى بيان، فطريق القناة - إذا تمت - أقرب الطرق إلى الشرق وفي هذا توفير للوقت والمال والجهد، وأما من الناحية العملية فهذا تقرير اللجنة الدولية التي تجمع بين أعضائها عددا من كبار المهندسين الإنجليز يقول بأن المشروع عملي وممكن تنفيذه، وقد أيدت هذا التقرير أكاديمية العلوم في باريس والمعهد الإمبراطوري الفرنسي، وأما من الناحية السياسية فآراء لورد بامرستون قائمة على أساس أخطار وهمية على الهند والإمبراطورية العثمانية، ولا خطر على الدولة الإنجليزية من مشروع القناة طالما يملك الإنجليز جبل طارق ومالطة وعدن وجزيرة پريم، أما الدولة العثمانية فمركزها مضمون بالمعاهدات والمواثيق الدولية، بل إن فتح القناة سيجعل مصر بمنأى عن أطماع الدول الأوربية إذ سيجعل لها مركزا محايدا، وفي هذا كما يرى دي لسبس تأييد لسياسة الإنجليز التقليدية في المحافظة على سلامة الدولة العثمانية.
كان دي لسبس يرى أن لهجة بامرستون متناقضة وغير منطقية وغير معقولة، فلا داعي في نظر دي لسبس لأن يعتقد بامرستون أن سياسة فرنسا مريبة، وأن فرنسا هي التي شجعت محمد علي على مناوأة إنجلترا، وأن ذهب لوي فيليب ملك فرنسا هو الذي أنشأ قلاع الإسكندرية وأن مشروع القناة يرمي إلى مناوأة إنجلترا.
وعلى أي حال فلقد نال دي لسبس على أساس تقرير اللجنة الدولية من سعيد باشا امتيازا جديدا خاصا بالقناة روعى فيه مقابلة بعض مخاوف إنجلترا، فلقد نص فيه على حياد القناة، وأن معظم من سيقومون بالتنفيذ مصريون لا فرنسيون، كما نص فيه أيضا على ضرورة موافقة الباب العالي، ولقد كان تكوين هذه اللجنة الدولية، والنتيجة التي وصلت إليها، من العوامل التي زادت ثقة دي لسبس في مشروعه، وضمت جانبا كبيرا من الرأي العام الإنجليزي والعالمي إلى صفه في مشروعه الجريء.
على أن الحكومة الإنجليزية استمرت في معارضتها للمشروع، وبررت ذلك الموقف بتعارض المشروع مع سياسة إنجلترا التقليدية إزاء الدولة العثمانية، وأنه سيوجد فاصلا مائيا بين مصر وتركيا، وردد بامرستون هذا الرأي بصراحة تامة في مجلس العموم البريطاني في شهر يولية سنة 1857، فلما ثار موضوع القناة في مجلس العموم البريطاني في يونية سنة 1858، أعلن بامرستون أن تنفيذ المشروع سيعمل على انحلال الإمبراطوريتين العثمانية والبريطانية، وأن السكة الحديدية بين القاهرة والإسكندرية تكفي لخدمة مصالح لإنجلترا أكثر بكثير من حفر القناة، وأبان جلادستون في الجلسة نفسها عن ضعف هذه الفكرة، وذكر أن القناة مجرى مائي، وإذا قدر لها أن تقع في يد أية دولة، فستقع في يد أقوى الدول البحرية وهي إنجلترا، وطلب من الأعضاء أن ينظروا إلى مشروع القناة لا كمشروع سياسي ولكن كمشروع تجاري قبل كل شيء، ولكن آراء جلادستون وإن تركت أثرا في الرأي العام البريطاني إلا أنها لم تحول الحكومة البريطانية عن رأيها.
فلقد عبر لورد كلارندون وزير الخارجية إذ ذاك عن رأي الحكومة البريطانية في ضرورة الوقوف أمام المشروع، بل وأنذر الباب العالي بأنه إذا صدق على الامتياز الممنوح لدي لسبس، فيجب ألا ينتظر أن تستمر بريطانيا أو غيرها من الدول الكبرى الأوربية في سياسة المحافظة على الدولة العثمانية وعلى سلامتها، ولم تجد محاولات الإمبراطور نابليون الثالث لإقناع الحكومة البريطانية بالكف عن معارضتها.
ولم يمنع هذا دي لسبس من المضي في تنفيذ مشروعه، فلو استطاع جمع المال اللازم لتنفيذ المشروع، لهدم هذا حجة قوية من حجج الحكومة الإنجليزية بأن المشروع غير عملي، وأنه لن يقبل على المساهمة فيه أحد؛ ولذا لما فتح دي لسبس باب الاكتتاب في المشروع تهافت عليه الناس في أوروبا، فكان نجاح الاكتتاب من عناصر تقوية المشروع وتأييده، وإن كان الإنجليز لم يكتتبوا في الأسهم التي كانت مخصصة لهم.
Page inconnue