Le Qamus al-Muhit
القاموس المحيط
Chercheur
مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة
Maison d'édition
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
Numéro d'édition
الثامنة
Année de publication
١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
الْقُدْرَةِ فُنُونَ أَلْحَانِهَا، وَإِنْ دَارَتِ الدَّوَائِرُ عَلَى ذَوِيهَا، وَأَحَنَّتْ عَلَى نَضَارَةِ رِيَاضِ عَيْشِهِمْ تُذْوِيهَا، حَتَّى لَا لَهَا الْيَوْمَ دَارِسٌ سِوَى الطَّلَلِ فِي الْمَدَارِسِ، وَلَا مُجَاوِبَ إِلَّا الصَّدَى مَا بَيْنَ أَعْلَامِهَا الدَّوَارِسِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَصَوَّحْ [يتشقَّقْ] فِي عَصْفِ تِلْكَ الْبَوَارِحِ نَبْتُ تِلْكَ الْأَبَاطِحِ أَصْلًا وَرَاسًا [رأسا]، وَلَمْ تُسْتَلَبِ الْأَعْوَادُ الْمُورِقَةُ عَنْ آخِرِهَا، وَإِنْ أَذْوَتِ اللَّيَالِي غِرَاسًا. وَلَا تَتَسَاقَطُ عَنْ عَذَبَاتِ أَفْنَانِ الْأَلْسِنَةِ ثِمَارُ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، مَا اتَّقَتْ مُصَادَمَةَ هُوجِ الزَّعَازِعِ بِمُنَاسَبَةِ الْكِتَابِ وَدَوْلَةِ النَّبِيِّ.
وَلَا يَشْنَأُ [يكره] هَذِهِ اللُّغَةَ الشَّرِيفَةَ إِلَّا مَنِ اهْتَافَ [رمى] بِهِ رِيحُ الشَّقَاءِ، وَلَا يَخْتَارُ عَلَيْهَا إِلَّا مَنِ اعْتَاضَ السَّافِيَةَ [الريح المتربة] مِنَ الشَّحْوَاءِ [البئر الواسعة غزيرة الماء]، أَفَادَتْهَا مُيَامِنُ أَنْفَاسِ الْمُسْتَجِنِّ بِطَيْبَةَ [المدينة المنوَّرة] طِيبًا، فَشَدَتْ بِهِ أَيْكِيَّةُ النُّطْقِ عَلَى فَنَنِ اللِّسَانِ رَطِيبًا، يَتَدَاوَلُهَا الْقَوْمُ مَا ثَنَتِ الشِّمَالُ مَعَاطِفَ غُصْنٍ، وَمَرَتِ الْجَنُوبُ لِقْحَةَ مُزْنٍ، اسْتِظْلَالًا بِدَوْلَةِ مَنْ رَفَعَ مَنَارَهَا فَأَعْلَى، وَدَلَّ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى. وَكَيْفَ لَا، وَالْفَصَاحَةُ أَرَجٌ [ريحُ الطِّيب] بِغَيْرِ ثِيَابِهِ لَا يَعْبَقُ، وَالسَّعَادَةُ صَبٌّ [عاشق متيَّم] سِوَى تُرَابِ بَابِهِ لَا يَعْشَقُ. شِعْرٌ:
إِذَا تَنَفَّسَ مِنْ وَادِيكَ رَيْحَانُ ... تَأَرَّجَتْ مِنْ قَمِيصِ الصُّبْحِ أَرْدَانُ
وَمَا أَجْدَرَ هَذَا اللِّسَانَ - وَهُوَ حَبِيبُ النَّفْسِ، وَعَشِيقُ الطَّبْعِ، وَسَمِيرُ ضَمِيرِ الْجَمْعِ، وَقَدْ وَقَفَ عَلَى ثَنْيَةِ الْوَدَاعِ، وَهَمَّ قِبْلِيُّ مَزْنِهِ بِالْإِقْلَاعِ - بِأَنْ يُعْتَنَقَ ضَمًّا وَالْتِزَامًا، كَالْأَحِبَّةِ لَدَى التَّوْدِيعِ، وَيُكْرَمَ بِنَقْلِ الْخُطُوَاتِ عَلَى آثَارِهِ حَالَةَ التَّشْيِيعِ. وَإِلَى الْيَوْمِ نَالَ بِهِ الْقَوْمُ الْمَرَاتِبَ وَالْحُظُوظَ، وَجَعَلُوا حَمَاطَةَ [صميم] جُلْجُلَانِهِمْ [قلوبهم] لَوْحَهُ الْمَحْفُوظَ. وَفَاحَ مِنْ زَهْرِ تِلْكَ الْخَمَائِلِ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ صَوْبُ الْغُيُوثِ الْهَوَاطِلِ [الأمطار الغزيرة]، مَا تَتَوَلَّعُ بِهِ الْأَرْوَاحُ لَا الرِّيَاحُ، وَتُزْهَى بِهِ الْأَلْسُنُ لَا الْأَغْصُنُ، وَيُطْلِعُ طَلْعَةَ الْبَشَرِ لَا الشَّجَرِ، وَيَجْلُوهُ الْمَنْطِقُ السَّحَّارُ لَا الْأَسْحَارُ، تُصَانُ عَنِ الْخَبْطِ أَوْرَاقٌ عَلَيْهَا اشْتَمَلَتْ، وَيَتَرَفَّعُ عَنِ السُّقُوطِ نَضِيجُ ثَمَرٍ، أَشْجَارُهُ احْتَمَلَتْ، مِنْ لُطْفِ بَلَاغَةِ لِسَانِهِمْ مَا يَفْضَحُ فُرُوعَ الْآسِ رَجَّلَ جَعْدَهَا مَاشِطَةُ الصَّبَا [ريح الشَّمال اللطيفة]، وَمِنْ حُسْنِ بَيَانِهِمْ مَا اسْتَلَبَ
1 / 29