وتورد وجه إحسان، وأطرقت لتخفي ارتباكها، أما أحمد بك حمديس فزوى ما بين حاجبيه باحثا في ذاكرته، ثم قال بلهجة الاعتذار: لا أذكر للأسف، (والتفت إلى إحسان) لنا عظيم الشرف! فقال الشاب ضاحكا وهو يشير إلى زوجه مرة أخرى: زميلة قديمة، عرفتها في الجامعة ...
فابتسم البك وابتسمت زوجه، وابتسمت إحسان أيضا وقد هالها اندفاع محجوب، ولم تدر أين يقف. وكان فاضل ينظر إلى العروس بفتور، أما تحية فلم تحول عنها عينين ثاقبتين. وقد فطنت ببداهتها إلى البواعث الحقيقة التي أغرت الشاب بهذه الزيارة، فازدادت له احتقارا، وتجلى في نظراتها إلى العروس الاستهانة والسخرية. وراحت حرم حمديس بك تتحدث عن فتيات الجامعة، فقالت: إن الجامعة تمهيد للوظيفة، وإنها لذلك اختارت لتحية سبيلا آخر. (وسألت العروس) ألم تخامرك فكرة التوظف وأنت تلتحقين بالجامعة؟
وكانت إحسان برمة بالحديث، مشفقة من مغبة الكذب، ولكنها لم تر بدا من الإجابة، فقالت: بلى يا هانم، ولكن كل شيء قسمة ونصيب كما يقولون.
فسألتها تحية بمكر: ألم تأسفي لتغير مجرى حياتك؟
وابتسموا جميعا، وضحك محجوب كأنما راقته دعابتها، وقال: سامحني الله، كانت إحسان طالبة بارعة، وطالما أثارت إعجاب المسيو ليشو أستاذ الفلسفة بذكائها، وقد اعترض طويلا على انقطاعها عن المدرسة ...
ونظر إلى تحية ليرى ما ترك من أثر في عينيها، فوجدها تنظر إليه باحتقار وسخرية، فلم يغضب، بل سر سرورا خفيا، ودخل عند ذاك خادم نوبي بالمرطبات، فشربوا هنيئا، وسادت فترة سكون كالاستراحة.
وطرقت حرم حمديس بك الحديث مرة أخرى ، فنادت الذكريات البعيدة، وذكرت الغلام الصغير الذي يطالعها الآن زوجا رشيدا ورب أسرة ناشئة، وتكلمت عن الزمن وسرعته العجيبة، ثم سألت الشاب قائلة: كيف حال والديك؟ - الحمد لله.
أجاب محجوب بسرعة، وسرعان ما انقبض صدره، فسألته السيدة مرة أخرى: ألم يحضرا زفافك؟ - لم يمكنهما ذلك لمرض والدي ...
فدعت السيدة للرجل بالشفاء، واستدركت سائلة أيضا: وكيف القناطر؟ - جميلة كعهدك بها ... - يا عجبا، لم نعاودها منذ فارقناها ...
وسأله أحمد بك مبتسما: هل تقضيان شهر العسل في القاهرة؟
Page inconnue