فأجاب طالب آخر بلهجة لم تخل من تهكم: إنهن سفيرات العلم لا الهوى ...
فقال ثالث بحمية انتقادية، وهو يتفحص ظهور الفتيات المهزولات: ولكن الله خلقهن ليكن سفيرات الهوى!
فقهقه الأول ضاحكا، وقال مدفوعا بروح الاستهتار والادعاء: اذكر أننا في الجامعة، وأن الجامعة مكان لا يجوز أن يذكر فيه لا الله ولا الهوى. - منطقي جدا ألا يذكر الله، أما الهوى ...؟
فقال أحدهم بلهجة تقريرية تنم عن أستاذية ليس وراءها مطمع لعالم: الجامعة عدو لله لا للطبيعة ... - نطقت بالحق، ولا يؤيسنكم قبح هؤلاء الفتيات؛ فهن دفعة أولى للجنس اللطيف، وسيتبعهن أخريات. الجامعة موضة حديثة لا تلبث أن تنتشر، وإن غدا لناظره قريب ... - أتحسب أن فتياتنا يقبلن على الجامعة كما أقبلن على السينما مثلا؟ - وأكثر، وسترى هنا فتيات على غير هذا المثال السيئ. - وسيزحمن الشباب بلا رحمة. - الرحمة هنا رذيلة. - ولن يكلفن أنفسهن مشاق الحشمة؛ فالقوي لا يحتشم! - وربما استعرت بين الجنسين نار! - ما أجمل هذا ...! - وانظر إلى الأشجار والخمائل! إن الحب يتولد فيها من تلقاء نفسه كما تتولد الديدان في قدور المش. - رباه! هل ندرك ذلك العصر السعيد؟! - بيدك أن تنتظره إذا شئت ...؟ - نحن في بدء الطريق والمستقبل باهر.
وانتهوا من الحديث العام، وتناولوا الفتيات - فتاة فتاة - بالتهكم المرير والسخرية اللاذعة ... •••
وكان أربعة يسيرون معا على مهل، يتحادثون أيضا، وربما أصغوا بانتباه إلى ما يبلغ آذانهم من هذر الشباب. كانوا من طلبة الليسانس، يشارفون الرابعة والعشرين، وتلوح في وجوههم عزة النضوج والعلم ... ولم تكن تخفى عليهم خطورة شأنهم، أو بالحري كانوا يشعرون بها أكثر مما ينبغي. قال مأمون رضوان بلهجة انتقادية: لا حديث للفتيان إلا الفتيات!
فقال علي طه معقبا على انتقاد زميله: وماذا عليهم من ذلك؟ إنهما نصفان يطلب أحدهما الآخر منذ الأزل.
وقال محجوب عبد الدايم: اعذرهم يا أستاذ مأمون؛ فاليوم الخميس، والخميس عند الطلبة يوم المرأة بلا منازع.
فابتسم أحمد بدير ابتسامة خفيفة - وهو طالب وصحافي معا - وقال بنبرات خطابية: أدعوكم أيها الإخوان إلى إعلان آرائكم في المرأة، على ألا يزيد البيان عن كلمات معدودات. ماذا تقول يا أستاذ مأمون رضوان؟
فارتبك الشاب، ثم ابتسم قائلا: أتريد أن تحملني على حديث أنتقد الغير على خوضه ...؟ - لا تحاول الهرب، هلم، كلمات معدودات، أنا صحافي والصحافي لا ييئس من حديث أبدا ...
Page inconnue