الفصل الرابع
سألت العمة لين، وهي تفتح منديل السفرة الخاص بها وتسويه على حجرها المكتنز: «أكان يومك حافلا يا عزيزي؟»
كان هذا سؤالا منطقيا لكن لا يقصد منه شيء. كان أشبه كثيرا بمدخل للعشاء مثل بسط منديلها، ومثل الحركة الاستكشافية بقدمها اليمنى وهي تحدد موضع مسند القدم الذي عوض عن قصر رجليها. لم تتوقع أن تسمع إجابة؛ أو على وجه الدقة، هي لم تع أنها قد سألت السؤال، فلم تستمع إلى إجابته.
رفع روبرت بصره عن المائدة ونظر إليها بلطف مقصود أكثر من المعتاد. بعد ذهابه لتلك الزيارة غير المخطط لها في منزل فرنتشايز، كان الحضور الهادئ للعمة لين باعثا على الراحة، فنظر بوعي جديد إلى الجسد الصغير الثابت ذي الرقبة القصيرة والوجه الوردي المستدير والشعر الرمادي اللامع الذي بدا متجعدا من دبابيس الشعر الكبيرة. عاشت ليندا بينيت حياة حافلة بوصفات الطعام، ونجوم الأفلام، والأطفال المعمدين، والأسواق الخيرية للكنيسة، فوجدت فيها حياة مثالية. كانت السعادة والرضا تحيطان بها مثل العباءة. كانت تقرأ صفحة المرأة في الجريدة اليومية (كيف تصنعين وردا للعروة من قفازات قديمة من جلد الماعز؟) ولا تقرأ شيئا غيرها على حد علم روبرت. من حين لآخر عندما تعيد الصحيفة التي كان روبرت قد تركها هنا أو هناك في مكانها الصحيح، قد تتوقف لتطالع العناوين الرئيسية وتعلق عليها. («رجل ينهي صوما دام اثنين وثمانين يوما» - إنسان أحمق! - «اكتشاف نفط في البهاما» - هل أخبرتك أن الكيروسين قد ارتفع بنسا، يا عزيزي؟) لكن كانت تعطي انطباعا بأنها لا تصدق بتاتا أن العالم الذي تتناوله الصحف قائم على أرض الواقع. فالعالم في عين العمة لين يبدأ بروبرت بلير، وينتهي في نطاق عشرة أميال منه.
سألت، بعد أن فرغت من حسائها: «ما الذي أخرك الليلة إلى هذا الحد يا عزيزي؟»
بناء على خبرته الواسعة، أدرك روبرت أن هذا السؤال هو صيغة مغايرة من سؤال: «أكان يومك حافلا، يا عزيزي؟» «كان علي الذهاب إلى منزل فرنتشايز - ذلك المنزل على طريق لاربورو. كانوا في حاجة إلى استشارة قانونية.» «هل هم أولئك الناس غريبو الأطوار؟ لم أعرف أنك تعرفهم.» «لا أعرفهم. لقد أرادوا فقط مشورتي.» «أتمنى أن يدفعوا لك أتعابك مقابلها، يا عزيزي. فهم لا يحتكمون على أي مال مطلقا، كما تعرف. كان الأب منشغلا بأعمال لها علاقة بالاستيراد - فول سوداني أو شيء من هذا القبيل - وتمادى في شرب الخمر حتى مات. وتركهن من دون بنس واحد، يا لهما من مسكينتين! كانت السيدة شارب العجوز تدير بنسيونا في لندن لسد احتياجاتهن، والابنة عملت كخادمة في جميع الأعمال المنزلية. كانتا ستصبحان في الشارع مع أثاثهن، لولا موت الرجل العجوز في فرنتشايز. أمر قدري!» «عمة لين! من أين علمت بتلك الحكايات؟» «لكنها حقيقية، يا عزيزي. حقيقية تماما. نسيت من أخبرني - شخص ما كان قد أقام في الشارع نفسه في لندن - لكنه من مصدر مباشر، على أي حال. أنا لست الشخص الذي ينقل ثرثرة فارغة، كما تعرف. هل هو منزل جميل؟ كنت أتساءل دائما عما بداخل تلك البوابة الحديدية.» «لا، قبيح نوعا ما. لكن لديهن قطع أثاث أنيقة.»
قالت، وهي تنظر برضا إلى صوان السفرة الأنيق والكراسي الجميلة الموزعة أمام الحائط: «لكنه ليس مصونا مثل أثاثنا، أثق في ذلك.» ثم تابعت قائلة: «قال القس البارحة لو لم يكن هذا المنزل يبدو واضحا أنه منزل، لظنه الناس معرضا.» بدا أن الإشارة إلى القسيس ذكرتها بشيء. «بالمناسبة، هل لك أن تتحلى بصبر جميل مع كريستينا خلال الأيام القليلة المقبلة. أظن أنها ستعمد إلى «الخلاص» مرة أخرى.» «مسكينة يا عمة لين، يا له من أمر ممل لك. لكني كنت أخشى منه. كان يوجد اليوم «اقتباس» على طبق فنجان الشاي الذي أتناوله في الصباح الباكر. «أنت يا الله الذي رآني» على حلية بلون وردي، بتصميم بديع لزنابق عيد الفصح في الخلفية. هل ستغير كنيستها مرة أخرى، إذن؟» «أجل. يبدو أنها قد اكتشفت أن الميثوديين «منافقون»؛ لهذا ستذهب إلى أولئك «المعمدانيين» الذين فوق مخبز بنسن، ولا بد أن تعمد إلى «الخلاص» في أي يوم من الآن. كانت تصدح بتراتيل طوال الصباح.» «لكنها تفعل ذلك دوما.» «ليس بتراتيل «سيف الرب». ما دامت تلتزم بتراتيل «تيجان اللؤلؤ» أو «طرق من الذهب» فأعرف أن كل شيء على ما يرام. لكن بمجرد أن تبدأ تراتيل «سيف الرب» أعرف أنه سيحين دوري لأخبز عما قريب.» «حسنا، حبيبتي، تجيدين الخبز تماما مثل كريستينا.»
قالت كريستينا، وهي قادمة بطبق من اللحم: «أوه، لا، هي لا تجيده.» وهي كائن رقيق كبير البنية له شعر منسدل غير مهندم وعين شاردة. «شيء واحد فقط تصنعه عمتك لين أفضل مني، يا سيد روبرت، وهو كعك الصليب الحار، وذلك ليس إلا مرة واحدة في السنة. لذا! إن لم ألق تقديرا في هذا المنزل، فسأمضي إلى حال سبيلي.»
قال روبرت: «كريستينا، حبيبتي! تعرفين جيدا أن لا أحد قد يتخيل هذا المنزل من دونك، وإن تركته فسأتبعك حتى نهاية العالم. من أجل فطائر الزبدة التي تصنعينها، إن لم يكن لسبب آخر. هل بإمكاننا أن نتناول فطائر الزبدة غدا، بالمناسبة؟» «فطائر الزبدة هو طعام لا يقدم لمذنبين غير تائبين. علاوة على أني لا أظن أن لدي زبدة. لكننا سنرى. في هذه الأثناء، يا سيد بلير، راجع نفسك، وكفاك رجما بالحجارة.»
تنهدت العمة لين تنهيدة رقيقة عندما انغلق الباب وراءها. وقالت متأملة: «عشرون سنة.» ثم أردفت قائلة: «لن تتذكرها عندما قدمت أول مرة من ملجأ أيتام. كانت في الخامسة عشرة من عمرها، طفلة مشاغبة مسكينة ذات جسد نحيل للغاية. أكلت رغيفا كاملا مع الشاي، وقالت إنها ستصلي من أجلي طوال حياتها. وأظن أنها وفت، كما تعلم.»
Page inconnue