هذا ما قاله ننقله بلفظه ومعناه من لسان ذاك الإمام الكبير، وقد قال المرتضى: وأما ما أجمعوا عليه فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم محدثا قديما قادرا عالما حيا، لا لمعان ليس بجسم، ولا عرض ولا جوهر عينا واحدا لا يدرك بحاسة، عدلا حكيما، لا يفعل القبيح ولا يريده، كلف تعريضا للثواب، ومسكن من الفعل وأزاح العلة، ولا بد من الجزاء، وعلى وجوب البعثة، حيث حسنت ولا بد للرسول - صلى الله عليه وآله - من شرع جديد، أو إحياء مندرس، أو فائدة لم تحصل من غيره، وأن آخر الأنبياء محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - والقرآن معجزة له، وأن الإيمان قول ومعرفة وعمل، وأن المؤمن من أهل الجنة وعلى المنزلة بين المنزلتين وهو أن الفاسق لا يسمى مؤمنا ولا كافرا إلا من يقول بالإرجاء، فإنه يخالف في تفسير الإيمان وفي المنزلة، فيقول الفاسق يسمى مؤمنا، وأجمعوا على أن فعل العبد غير مخلوق فيه، وأجمعوا على تولي الصحابة، واختلفوا في عثمان بعد الأحداث التي أحدثها، فأكثرهم تولاه وتأول له، وأكثرهم على البراءة من معاوية وعمرو بن العاص، وأجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي تعداد علمائهم مصنفات عدة، كالمصابيح لابن يزداد وغيره. ا.ه.
هذا ما قاله واحد منهم في حقيقة ما أجمعوا عليه، وإليك ما قاله الشهرستاني صاحب الملل والنحل وهو لين منهم قال: والمعتزلة، ويسمون أصحاب العدل والتوحيد ويلقبون بالقدرية، وهم قد جعلوا لفظ القدرية مشتركا، وقالوا: لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشره من الله تعالى، احترازا عن وصمة اللقب إذا كان الذم به متفقا عليه لقول النبي - عليه السلام: القدرية مجوس هذه الأمة. وكانت الصفانية تعارضهم بالاتفاق على أن الجبرية والقدرية متقابلتان تقابل تضاد، فكيف يطلق لفظ الضد على الضد، وقد قال النبي - عليه السلام: القدرية خصماء الله في القدر.
والخصومة في القدر وانقسام الخير والشر على فعل الله وفعل العبد، لن يتصور على مذهب من يقول بالتسليم والتوكل، وإحالة الأحوال كلها على القدر المحتوم والحكم المحكوم، فالذي يعم طائفة المعتزلة من الاعتقاد القول بأن الله تعالى قديم، والقدم أخص وصف لذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلا فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته لا يعلم وقدرة وحياة هي صفات قديمة ومعان قائمة به؛ لأنه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخص الوصف لمشاركته في الإلهية، واتفقوا على أن كلامه محدث مخلوق في محل، وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه، فإنما وجد في المحل عرض فقد فني في الحال، واتفقوا على أن الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته، لكن اختلفوا في وجوه وجودها ومحامل معانيها، واتفقوا على نفي رؤية الله بالإبصار في دار القرار، ونفي التشبيه عنه من كل وجه جهة ومكانا، وصورة، وجسما، وتحيزا، وانتقالا، وزوالا، وتغيرا، وتأثرا، وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها، وسموا هذا النمط توحيدا، واتفقوا على أن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرها، مستحق ما يفعله ثوابا وعقابا في الدار الآخرة، والرب تعالى منزه أن يضاف إليه شر وظلم وفعل هو كفر ومعصية؛ لأنه لو خلق الظلم كان ظالما كما لو خلق العدل كان عادلا، واتفقوا على أن الحكيم لا يفعل إلا الصلاح والخير، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد، وأما الأصلح واللطف ففي وجوبه خلاف عندهم، وسموا هذا النمط عدلا، واتفقوا على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض، والتفضل معنى آخر وراء الثواب، وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار، وسموا هذا النمط وعدا ووعيدا، واتفقوا على أن أصول المعرفة وشكر النعمة واجب قبل ورود السمع، والحسن والقبيح يجب معرفتهما بالعقل، واعتناق الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك، وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى أرسلها إلى العباد بتوسط الأنبياء - عليهم السلام - امتحانا واختبارا ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، واختلفوا في الإمامة والقول فيها نصا واختيارا.
وهنا ذكر الشهرستاني مقالة كل طائفة من طوائف المعتزلة مثل «الواصلية» أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء الغزال، و«الهذيلية» أصحاب أبي الهذيل حمدان بن أبي الهزيل العلاف، و«النظامية» أصحاب إبراهيم بن سيار بن هاني النظام، و«الحائطية» أصحاب أحمد بن حائط، و«الحدثية» أصحاب فضل بن الحدثي، و«البشرية» أصحاب بشر بن المعتمر، و«المعمرية» أصحاب معمر بن عباد السلمي، و«المزدارية» أصحاب عيسى بن صبيح المكنى بأبي موسى، الملقب بالمزدار، و«الثمامية» أصحاب ثمامة بن أشرس النميري، و«الهشامية» أصحاب هشام بن عمر الفوطي، و«الجاحظية» أصحاب عمرو بن بحر الجاحظ، و«الخياطية» أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط، و«الجبائية والبهشمية» أصحاب أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي وابنه أبي هاشم عبد السلام.
ومن رجال المعتزلة الحسنان - عليهما السلام - ومحمد بن الحنفية، وسعيد بن المسيب، وأبو الأسود الدؤلي، وعلقمة والأسود، وشريح من أصحاب عبد الله بن مسعود، والحسن البصري، وعبد الله بن عمر، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وعبد الله بن عباس، وغيلان بن مسلم الدمشقي قتله هشام بن عبد الملك، وقتل صاحبه صالحا في أبشع صورة؛ لأنه أنكر على بني أمية سوء سياستهم في الرعية، وواصل بني عطاء، وهو الذي أنفذ أصحابه إلى الآفاق، وبث دعاته في البلاد، فبعث عبد الله بن الحارث إلى المغرب، فأجابه خلق كثير، وبعث إلى خراسان حفص بن سالم، وبعث القاسم إلى اليمن، وبعث أيوب إلى الجزيرة، وبعث الحسن بن ذكوان إلى الكوفة وعثمان الطويل إلى أرمنية، ومنهم عمرو بن عبيد، وكان المنصور العباسي يبالغ في تعظيمه ورثاه، وقلما عهد أن الخليفة رثى رعية بقوله:
صلى الإله عليك من متوسل
قبرا مررت به على مران
قبر تضمن مؤمنا متخشعا
عبد الإله ودان بالقرآن
وإذا الرجال تنازعوا في شبهة
Page inconnue