أنتم أطباء أرواح، والأرواح تفضل الأشباح، فهل عهد طبيب لا يعالج حتى عدوه بما يصلحه وينفعه في صحته دع صديقه وأخاه وابنه وابنته، بأيديكم إصلاح هذه النفوس الضعيفة المنحطة في معارفها وتربيتها وترقية مستوى البيوت، وثقوا أن فتى واحدا وفتاة واحدة إذا تعلم وتهذب يدخل على أسرة كبيرة النظام، وفي الجملة يلقنها الشعور بالحاجة إلى التعلم؛ أي إنه يسوق آله إلى أول مراتب الكمال، وكل هذا العمل الجليل هو عمل المعلم والمعلمة لا محالة.
وربما كان واجب المعلمة في هذا الشأن أعظم من واجب المعلم؛ لأن مجموع النساء عندنا في الغاية من الانحطاط، ولا عبرة بالقليلات المتعلمات منهن وأكثر ما تعلمن، حتى الآن القشور، ولم ينفذن فيه إلى اللباب على ما يجب، وأي وطني لا يبكي لجهل المرأة المسلمة علة العلل في انحطاط المجتمع الإسلامي، ومن منا ينكر تأثير المرأة في كل نهضة، وهذه المرأة المصرية والمرأة التركية قد أتتا في الحوادث الأخيرة ما دل على أن القوم في القاهرة والآستانة أخذوا بحظ وافر من العناية بالمرأة، وما أحرانا في الشام أن نحتذي مثالهم، وهذا قريب الحصول إذا قام المعلم والمعلمة بواجبهما حق القيام والسلام.
أعداء الإصلاح
الطرق شتى وطرق الحق مفردة
والسالكون طريق الحق أفراد
لا يعرفون ولا تدرى مقاصدهم
فهم على مهل يمشون قصاد
والناس في غفلة عما يراد بهم
فجلهم عن سبيل الحق رقاد
ما خلا عصر من عصور الإسلام من أعداء لكل جديد، ومن جامدين ينكرون كل ما لا يألفون؛ فقد لقي المعتزلة والفلاسفة والمتكلمون والنظار من أعداء العقل كل شدة في القرون الراقية، وكان عقل الملوك هو الذي يحول على الأغلب بين الجامدين، وبين ما يشتهون من الاعتداء على القائمين بتأييد سنن العقل، والناصرين بأقوالهم وأفعالهم مذاهب السنة والنقل. ومن نظر نظرة مجردة عن الغرض في سيرة المناهضين للمصلحين على اختلاف الأعصار، يجدهم جروا على غير ما يعتقدون وطلبوا بمقاومة المصلحين إرضاء العامة ونيل الحظوة لديهم، واستتباع الجاهلين من الملوك والسلاطين، وقليل جدا من كان الإخلاص رائدهم في أعمالهم ومآتيهم.
Page inconnue