٥٠ - وَأَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَبُو الْحَسَنِ عَفِيفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَهِيدٍ الْبُوشَنْجِيُّ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يوسُفَ الْحَفِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، ﵁ قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ وَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً»، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِ رَبِّنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ وَفِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، فَقَالَ: " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ - ثُمَّ قَرَأَ -: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٦] " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ
⦗١٣١⦘
٥١ - وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي جِنَازَةٍ فَذَكَرَ مَعْنَاهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ ﵀: الْمِخْصَرَةُ عَصًا خَفِيفَةٌ. وَالنَّفْسُ الْمَنْفُوسَةُ: هِيَ الْمَوْلُودَةُ وَهَذَا الْحَدِيثُ إِذَا تَأَمَّلْتَهُ أَصَبْتَ مِنْهُ الشِّفَاءَ فِيمَا يَتَخَالَجُكَ مِنْ أَمْرِ الْقَدَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّائِلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالْقَائِلَ لَهُ أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا يَدْخُلُ فِي أَبْوَابِ الْمُطَالَبَاتِ وَالْأَسْئِلَةِ الْوَاقِعَةِ فِي بَابِ التَّجْوِيزِ وَالتَّعْدِيلِ إِلَّا وَقَدْ طَالَبَ بِهِ وَسَأَلَ عَنْهُ، فَأَعْلَمَهُ ﷺ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْبَابِ مَتْرُوكٌ، وَالْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِ سَاقِطَةٌ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُشْبِهُ الْأُمُورَ الْمَعْلُولَةَ الَّتِي عُقِلَتْ مَعَانِيهَا وَجَرَتْ مُعَامَلَاتُ الْبَشَرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَيْهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْعَمَلِ لِيَكُونَ أَمَارَةً فِي الْحَالِ الْعَاجِلَةِ ⦗١٣٢⦘ لِمَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ الْآجِلَةِ، فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ كَانَ مَأْمُولًا لَهُ الْفَوْزُ، وَمَنْ تَيَسَّرَ مِنْهُ الْعَمَلُ الْخَبِيثُ، كَانَ مَخُوفًا عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، وَهَذِهِ أَمَارَاتٌ مِنْ جِهَةِ الْعِلْمِ الظَّاهِرِ، وَلَيْسَتْ بِمُوجِبَاتٍ، فَإِنَّ اللَّهَ ﷿ طَوَى عِلْمَ الْغَيْبِ عَنْ خَلْقِهِ، وَحَجَبَهُمْ عَنْ دَرْكِهِ، كَمَا أَخْفَى أَمْرَ السَّاعَةِ فَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَتَى أَيَّانَ قِيَامُهَا، ثُمَّ أَخْبَرَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ بِبَعْضِ أَمَارَاتِهَا وَأَشْرَاطِهَا. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّمَا عُومِلُوا بِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ وَتَعَبَّدُوا بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّعَبُّدِ لِيَتَعَلَّقَ خَوْفُهُمْ بِالْبَاطِنِ الْمُغَيَّبِ عَنْهُمْ، وَرَجَاؤُهُمْ بِالظَّاهِرِ الْبَادِي لَهُمْ، وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ مَدْرَجَتَا الْعُبُودِيَّةِ، فَيَسْتَكْمِلُوا بِذَلِكَ صِفَةَ الْإِيمَانِ وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ كُلًّا مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَأَنَّ عَمَلَهُ فِي الْعَاجِلِ دَلِيلُ مَصِيرِهِ فِي الْآجِلِ، وَبِذَلِكَ تَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥]، الْآيَةَ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ إِنَّمَا هِيَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ مِنْ أَحْوَالِ الْعِبَادِ وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ عِلْمُ اللَّهِ ﷿ فِيهِمْ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣]
⦗١٣٣⦘. وَإِذَا طَلَبْتَ لِهَذَا الشَّأْنِ نَظِيرًا يَجْمَعُ لَكَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، فَاطْلُبْهُ فِي بَابِ أَمْرِ الرِّزْقِ الْمَقْسُومِ مَعَ الْأَمْرِ بِالْكَسْبِ، وَأَمْرِ الْأَجَلِ الْمَصْرُوفِ فِي الْعُمُرِ مَعَ الصَّالِحِ بِالطَّلَبِ، فَإِنَّكَ تَجِدُ الْمُغَيَّبَ مِنْهَا عِلَّةً مُوجِبَةً، وَالظَّاهِرَ الْبَادِيَ سَبَبًا مُخَيَّلًا، وَقَدِ اصْطَلَحَ النَّاسُ خَوَاصُّهُمْ وَعَوَامُّهُمْ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا لَا يُتْرَكُ لِلْبَاطِنِ. قَالَ الشَّيْخُ: وَسَمِعْتُ الشَّرِيفَ أَبَا الْفَتْحِ نَاصِرَ بْنَ الْحُسَيْنِ الْعُمَرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْإِمَامَ أَبَا الطَّيِّبِ سَهْلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ ﵀ يَقُولُ: وَأَظُنُّنِي سَمِعْتُهُ مِنْهُ: أَعْمَالُنَا أَعْلَامُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ
1 / 130