والذي وقع في نفسه ، فهو الصادق. وأما الممكن المستقبل. فقال بعضهم : الصادق والكاذب غير متعينين ، بل أحدهما صادق ، والآخر كاذب على التعيين. وعندي : أنه يجب أن يكون الصادق متعينا ، والكاذب متعينا في نفس الأمر ، في الممكن المستقبل. والدليل عليه : أن الصدقية والكذبية صفتان حقيقيتان حاصلتان في نفس الأمر. فلا بد لكل واحد منهما من محل موجود في الخارج. وكل موجود في الخارج فهو في نفسه معين لأن كل ما كان موجودا في نفسه ، فهو معين في نفسه ، والإيهام لا يحصل في الأذهان. بمعنى أنه لا يعلم أن الموصوف بالصدقية. أهو هذه القضية ، أم تلك الأخرى؟ فأما أن يكون الذي هو الموجود في الأعيان بينهما في نفسه غير معين بحسب وجوده فهو محال. ولما ثبت أن الصدقية والكذبية صفتان موجودتان ، وثبت أن الصفة الموجودة ليست محلا معينا في نفس الأمر ، يثبت أن إحدى هاتين القضيتين هي الموصوفة بالصدقية في نفس الأمر ، والأخرى هي الموصوفة بالكذبية في نفس الأمر بل نحن لا نعرف أن الموصوف بالصدقية أي الطرفين؟ والموصوف بالكذبية أيهما؟ فأما في نفس الأمر ، فإنه يجب أن يكون أحدهما بعينه موصوفا بالصدقية ، والأخرى بالكذبية. إذا ثبت هذا ، فنقول : إن هذا يقتضي أن تكون جميع الحوادث المستقبلة : مقدرة على وجه ، يمتنع تطرق الزيادة والنقصان والتغيير إليها. على ما هو مذهبنا في مسألة القضاء والقدر.
والدليل عليه : أن الجانب الذي صدق عليه أنه سيقع في الوقت الفلاني. إما أن يكون أن لا يقع في ذلك الوقت ، أو لا عكس. والأول باطل. لأن كل ما كان ممكنا فإنه لا يلزم من فرض وقوعه محال. فليفرض غير واقع. وإذا لم يقع ، صار قولنا : إنه سيقع : كذبا من أول وقت دخول هذا الخبر في الوجود. وكنا قد فرضنا : أنه كان موصوفا بالصدقية. فإذا لم يحصل ذلك الفعل ، في ذلك الوقت ، لزم من عدم وقوعه في ذلك الوقت ، ارتفاع الصدقية من ذلك الخبر ، من أول دخوله في الوجود. فيلزم أن يكون عدم وقوع ذلك الفعل في ذلك الوقت ، موجبا زوال صفة الصدقية عنه في الزمان الماضي ، فيفضي هذا إلى إيقاع التصرف في الزمان الماضي. وإنه محال. فثبت : أن عدم وقوع ذلك الفعل في ذلك الوقت ، يلزم منه محال. والممكن هو الذي لا يلزم من فرض وقوعه محال. فثبت : أن عدم وقوعه في ذلك الوقت محال. فكان وقوعه فيه واجبا وهو المطلوب.
فإن قيل : مدار كلامكم على أن كون الخبر صدقا وكذبا : صفة حقيقية. تستدعي موصوفا موجودا ، وكل موجود فهو في نفسه معين. فنقول : لا نسلم أن كون الخبر صدقا أو كذبا : صفة وجودية. ولم لا يجوز أن يكونا أمرين اعتباريين ، لا حصول لهما في الأعيان؟.
** والجواب من وجوه :
الأول : إن الصدقية والكذبية متقابلان بالسلب والإيجاب. لأن الصدق هو الخبر المطابق ،
Page 68