قاعدة في الجرح والتعديل
ضرورية نافعة لا تراها في شيء من كتب الاصول فانك اذا سمعت ان الجرح مقدم على التعديل ورايت الجرح والتعديل وكنت غرا بالامور او فدما مقتصرا على منقول الاصول حسبت ان العمل على جرحه فاياك ثم اياك والحذر كل الحذر من هذا الحسبان بل الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة وإلا فلو فتحنا هذا الباب وأخذنا بتقديم الجرح على اطلاقه لما سلم لنا احد
1 / 19
من الاثم اذ ما من امام الا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون وقد عقد الحافظ ابو عمر بن البر في كتاب العلم بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدا فيه بحديث الزبير ﵁ دب اليكم داء الامم قبلكم الحسد والبغضاء الحديث وروى بسنده عن ابن عباس ﵄ انه قال استمعوا كلام العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض والذي نفسي بيده لهم اشد تغايرا من التيوس في زروبها وعن مالك بن دينار يؤخذ بقول العلماء والقراء الا بعضهم في بعض
1 / 20
قلت ورايت في كتاب معين الحكام لابن عبد الرفيع من المالكية وقع في المبسوط من قول عبد الله بن وهب انه لا يجوز
1 / 21
شهادة القارئ على القارئ يعني العلماء لانهم اشد الناس تحاسدا وتباغضا قاله سفيان الثوري ومالك بن دينار ولعل ابن عبد البر يرى هذا ولاباس به غير انا لا ناخذ به على اطلاقه ولكن نرى ان الضابط ما نقوله من ان ثابت العدالة لا يلتفت فيه الى قول من تشهد القرائن بانه متحامل عليه اما لتعصب مذهبي او غيره يم قال ابو عمر بعد ذلك الصحيح في هذا الباب ان من ثبتت عدالته وصحت في العلم امامته وبانت ثقته وبالعلم عنايته لم يلتفت فيه الى قول احد الا ان ياتي في جرحته ببينة عدالة تصح بها جرحته على طريق الشهادات واستدل بان السلف تكلم بعضهم في بعض بكلام منه ما حمل عليه الغضب او الحسد ومنه ما دعا اليه التاويل واختلاف الاجتهاد مما لا يلزم
1 / 22
المقول به ما قال القائل فيه وقد حمل بعضهم على بض بالسيف تاويلا واجتهادا ثم اندفع ابن عبد البر في ذكر كلام جماعة من النظراء بعضهم في بعض وعدم الاتفات اليه لذلك الى ان انتهى الى كلام ابن معين في الشافعي وقال انه مما نقم على ابن معين وعيب به وذكر قول احمد بن حنبل من اين يعرف يحيى بن معين الشافعي هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقول الشافعي ومن جهل شيئا عاداه قلت وقد قيل ان ابن معين لم يرد الشافعي وانما اراد ابن عمه كما سنحكيه ان شاء الله تعالى في ترجمت الاستاذ ابي منصور وبتقدير ارادته
1 / 23
الشافعي فلا يلتفت اليه وهو عار عليه وقد كان في بكاء ابن معين على إجابته المامون الى القول بخلق القران وتحسره على ما فرط منه ما ينبغي ان يكون شاغلا له عن التعرض الى الامام الشافعي امام الائمة ابن عم المصطفى ﷺ
1 / 24
ثم ذكر ابن عبد البر كلام ابن ابي ذئب وابراهيم بن سعد في مالك ابن انس قال وقد تكلم ايضا في مالك عبد العزيز بن ابي سلمة
1 / 25
وعبد الرحمن بن زيد بن اسلم ومحمد بن اسحاق وابن ابي يحيى وابن ابي الزناد وعابوا اشياء من مذهب وقد برا الله ﷿ مالكا عما قالوا وكان عند الله وجيها
1 / 26
قال وما مثل من تكلم في مالك والشافعي ونظائر هما الا قال الاعشى كناطح صخرة يوما ليوهنها لم يضرها واوهى قرنه الوعل او كما قال الحسن بن حميد يا ناطه الجبل العلي ليكمله اشفق على الراس لا تشفق على الجبل ولقد احسن ابو العتاهية حيث يقول
1 / 27
من ذا الذي ينجو من الناس سالما وللناس قال بالظنون وقيل وقيل لابن المبارك فلان بكلم في ابي حنيفة فانشد حسدا اذ راوك ضلك الله بما فضلت به النجباء وقيل لابي عاصم النبيل فلان يتكلم في ابي حنيفة فقال هو كما قال نصيب سلمت وهل حي على الناس يسلم وقال ابو الاسود الدولي حسدوا الفتى اذ لم ينالوا سعيه فالقوم اعداء له وخصوم
1 / 28
ثم قال ابن عبد البر من اراد قبول قول العلماء الثقات بعضهم في بعض فليقبل قول الصحابة بعضهم في بعص ان فعل ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا قال وان لم يفعل ولن يفعل ان هداه الله والهمه رشده فليقف عندما شرطناه في ان لا يقبل في صحيح العدالة المعلوم بالعلم عنايته قول قائل لا برهان له قلت هذا كلام ابن عبد البر وهو على حسنه غير صاف من القذى والكدر فانه لم يزد فيه على قوله ان من ثبتت عدالته ومعرفته لا يقبل قول جارجه الا ببرهان وهذا قد اشار اليه العلماء جميعا حيث قالوا لا يقبل الجرح الا مفسرا فما الذي زاده ابن عبد البر عليهم وان اوما الى ان كلام النظير في النظير والعلماء بعضهم في بعض مردود مطلقا كما قدمناه عن المبسوطة فليفصح به ثم هو مما لا ينبغي ان يؤخذ هنا على اطلاقه بل لا بد من زيادة على قولهم ان الجرح مقدم على التعديل او نقصان من قولهم كلام النظير في النظير مردود والقاعدة معقودة لهذه الجملة ولم ينح ابن عبد البر فينا يظهر سواها والا لصرح بان كلام العلماء بعضهم في بعض مردود او لكان كلامه غير ميد فائدة زائدة على ما ذكره الناس ولكن عبارته على ما ترى قاصرة عن المراد فان قلت فنا العبارة الوافية بما ترون قلت ما عرفناك اولا من ان
1 / 29
الجارح لا يقبل منه الجرح وان فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه ومادحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه اذ كانت هناك قرينة يشهد العقل بان مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه من تعصب مذهبي او منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء او غير ذلك فنقول مثلا لا يلتفت الى كلام ابن ابي ذئب في مالك
1 / 30
وابن معين في الشافعي والنسائي في احمد بن
1 / 33
صالح لان هؤلاء ائمة مشهورون صار الجارح لهم كالاتي بخير غريب لو صح لتوفرت الدواعي على نقله وكان القاطع قائما على كذبه فيما
1 / 34
قاله ومما ينبغي ان يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة الى الجارح والمجروح فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجره لذلك واليه اشار الرافعي بقوله وينبغي ان يكون المزكون براء من الشحناء والعصبية في المذهب خوفا من ان يحملهم ذلك على جرح عدل او تزكية فاسق وقد وقع هذا لكثير من الائمة جرحوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب وقد اشار شيخ الاسلام سيد المتاخرين تقي الدين ابن دقيق العيد في كتابه الاقتراح الى هذا وقال اعراض المسلمين حفرة من حفر النار
1 / 35
وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحاكام قلت ومن امثلة ما قدمنا قول بعضهم في البخاري تركه ابو زرعة وابو حاتم من اجل مسالة اللفظ فيالله والمسلمين ايجوز لاحد ان يقول البخاري متروك وهو حامل لواء الصانعة ومقدم اهل السنة والجماعة ثم يالله والمسلمين اتجعل ممادحه مذام فان الحق في مسالة اللفظ معه اذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في ان تلفظه من افعاله الحادثة التي هي مخلوق لله تعالى وانما انكرها الامام احمد ﵁ لبشاعة لفظها ومن ذلك قول بعض المجسمة في ابي حاتم ابن حبان لم يكن له كبيردين نحن اخرجناه من سحستان لانه انكدر الحد لله فيا ليت شعري
1 / 36
من احق بالاخراج من يجعل ربه محدودا او من ينزهه عن الجسمية وامثلة هذا تكثر
1 / 37
وهذا شيخنا الذهبي رحمه الله تعالى من هذا القبيل
1 / 38
له علم وديانة وعنده على اهل السنة تحامل مفرط لا يجوز ان يعتمد عليه ونقلت من خط الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي ﵀ ما نصه الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي لا اشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقول الناس ولكنه غلب عليه مذهب الاثبات ومنافرة التاويل واغفلة عن التنزيه حتى اثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن اهل التنزيه وميلا قويا الى اهل الاثبات فاذا ترجم واحد منهم يطنب في وصفه بجميع ما قيل يه من المحاسن ويبالغ في وصفه ويتغافل عن غلطاته ويتأول له ما امكن واذا ذكر احدا من الطرف الاخر كامام الحرمين والغزالي ونحوهما لا يبالغ في وصفه ويكثر من قول من طعن به ويعيد ذلك ويبديه ويعتقده دينا وهو لا يشعر ويعرض عن محاسنهم الطافحة فلا يستوعبها واذا ظفر
1 / 43
لاحد منهم بغلطة ذكرها وكذلك فعله في اهل عصرنا اذا لم يقدر على احد منهم بتصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ونحو ذلك وسببه المخالفة في العقائد انتهى والحال في حق شيخنا الذهبي أزيد مما وصف وهو شيخنا ومعلمنا غير ان الحق احق ان يتبع وقد وصل من التعصب المفرط الى حد يسخر منه وانا اخشى عليه يوم القيام من غالب علماء المسلمين وائمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية فان غالبهم علماء المسلمين وائمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية فان غالبهم اشاعرة وهو اذا وقع باشعري لا يبقى ولا يذر والذي اعتقده انهم خصماؤه يوم القيامة عند من لعل ادناهم عنده اوجه منه فالله المسئول ان يخفف عنه وان يلهمهم العفو عنه وان يشفعهم فيه (*)
والذي ادركنا عليه المشايخ النهى عن النظر في كلامه وعدم اعتبار قوله ولم يكن يستجري ان يظهر كتبه التاريخية الا لمن يغلب على ظنه انه لا ينقل عنه ما يعاقب عليه
_________
(*) قال محقق الكتاب: ما عاب به شيخه الإمام شمس الدين الذهبي وقاله فيه - رحمهما الله تعالى - لا يخلو من مبالغة وتحامل بسبب المخالفة في العقيدة أيضا، نسأل الله أن يرزقنا العدل في الرضا والغضب. . . .
1 / 44