وآخر ما قرأته - منذ حين - أنه أجري في أميركا امتحان لوظائف بوليسية، فتقدم لها كثيرون من الشبان والشجعان، المفتولي السواعد، وكأن لسان حال كل واحد يقول للممتحن: أنا، أنا. فنظر المشرف على ذاك الامتحان إلى شاب منهم وسأله: وكيف شجاعتك أنت؟ - القلب حاضر والزند حديد. - وأنت مستعد للامتحان؟ - لهذا جئت، فافعل ما تريد.
فقال له: تهيأ. كن مستعدا.
ثم غافله وأطلق على برنيطته رصاصة، كما هي العادة المتبعة في مثل ذلك الامتحان، فاخترقتها ولم تمس رأسه بسوء. فتزعزعت أركان ذاك الشاب، ولم يثبت لهذه التجربة، فسقط على الأرض وعينه على حاله ليرى أين استقر.
فضحك الممتحن، واقترب منه يربت على كتفه قائلا له: قم، لا تخف، إنك سالم. هذي طريقتنا في امتحان الشجاعة. اختبرناك فوجدناك لا تصلح. خذ هذي خمسة دولارات ثمن البرنيطة.
فنهض الشاب ومد يده ليقبض وهو يقول للممتحن: كمل معروفك، أعطني دولارا آخر لأنظف بنطلوني وأكويه ...
ولو شئت أن أعرض على القارئ النماذج التي شاهدتها وقرأت أخبارها لما فرغت من قص حكاياتها، فلكل ميدان رجال يخدعون أنفسهم ويحاولون أن يجعلوا من ذاتهم أبطالا حقيقيين وليس هذا بمستطاع.
إن الافتضاح ينتظرهم ولذلك يقولون عندنا: حبل الكذب قصير. وما أكثر الرجال الذين يصح فينا وفيهم قول الشاعر:
سبكناه ونحسبه لجينا
فأبدى الكير عن خبث الحديد
غرائب وعجائب
Page inconnue