وصلني مكتوبك الكريم ... وعليه طابع بيروت، فأنا في جوابي لك كمن يخاطب الجو؛ فقد تكون إلياس فرح، وقد لا تكون، وعلى كل الفرح خير من الحزن.
إن مكتوبك فيه ما فيه من نقاط على الحروف، ولكن الجرأة الأدبية تعوزك كأكثر ناس هذا البلد، يرون الشر ويسكتون عنه ما دام رأسه سالما. وما هكذا يا أخي إلياس تصلح الأوطان.
قلت: أخي، وأنا أعني ما بيني وبينك في الأخوة. إنني أنا لا أتنكر بقناع «البربارة» لأشهد المهزلة التي تمثل على مراسحنا، وأنت تريد أن تكون ممثلا حقا لا شخصا حقيقيا. لقد تعبنا من هذا التمثيل، ومن التصفيق لأبطال الرواية ... ومن أين يستقيم لنا الأمر إذا لم نصفر عند الاستهجان!
وبعد، فرسالتك أطول من ليل امرئ القيس، ولولا أن صفحات الصياد تضيق عنها لنشرتها بحروفها، ومع ذلك فقد استعنت بأيوب ... وقرأتها كلمة كلمة، ولم أخرم منها حرفا، حتى إنني حاولت أن أستوضح الكلمات التي حاولت أنت طمر آثارها. إنك تعلم من جوابي أنني قرأت هذا المجلد ...
تلومني لأنني لم أبد رأيا بمجلس الشيوخ، وقد خيل إلي من خلال أسطر دفاعك عن هذا المجلس، أنك من الطامعين بكرسي فيه، بل إنك من الموعودين بذلك العرش؛ لتكون في العب في الدهر العتيد ...
نعم لا بد للبلاد من حكمة الشيوخ إلى جانب حماسة الشباب، فحكمة الشيوخ هي المقود الذي يخفف من شطط السيارة، ولكن أليس أكثر من في الندوة شيوخا حكماء يدينون بقولنا: حاكمك وربك. هؤلاء ينتخبون ومع ذلك يقادون بخيط قطن، وينتظرون غمزة.
عندما أعيد الدستور العثماني في أول عهد عبد الحميد، كان لبيروت مبعوث فيه - نائب - يصوت دائما على أساس هذه الكلمة: أنا من رأي مولانا السلطان. أما خليل غانم، مبعوث بيروت الثاني، فلم يكن يؤمن بغير سلطان فكره ورأيه. ثم كان الحل ففر خليل إلى باريس، وفر مدحت باشا إلى الحجاز؛ حيث مات ولم يمت ذكره.
إنني أخشى أن يكون جميع أعضاء مجلس شيوخنا العتيدين من رأي «مولانا السلطان»، ويظل الشعب في المعصرة حتى يستقطر كل ما في زيتونه من زيت ... أنا - راجع مقالي - قلت: إنه إذا كان ولا بد من هذا فليكن المجلس منتخبا لا معينا، فالتعيين مؤامرة على إرادة الشعب وحيلة على الوصول من أقرب السبل وأهونها.
لا بأس من إيجاد مجلس شيوخ، ومجلس شباب، ومجلس عجائز، وندوة أوانس وعوانس، إذا كنا قادرين على الدفع، ونحن قادرون إذا قللنا من مطامعنا، ومطامع محاسيبنا وأنصارنا، ووضعنا على الصناديق حراسا أمناء ساهرين، فلا تشن عليها كل يوم غارة ...
أما سمعت بسرقة أمانات قصر العدلية؟ ليتك تعرف ما قال القرآن الكريم في الأمانة، فترتعد فرائصك.
Page inconnue